صياف بن عواد بن شميلان السحيمي العوفي الحربي (16 أغسطس 1939 - 24 مارس 2007)، علم من أعلام الساحة الشعرية الشعبية، ويعتبر أحد أبرز شعراء القلطة في السعودية.
مولده ونشأته
ولد في وادي النقيع الذي يحتضنه جبل ادقس التاريخي المسمى بـ"جبل عوف الأخضر" بمنطقة وادي الفرع الواقعة إلى الجنوب من المدينة المنورة في 16 أغسطس 1939م الموافق 1 رجب 1358 هـ.
عاش في كنف والده ورعايته الخاصة، حيث توفيت والدته وهو طفل صغير. وقد كان والده صاحب إبل وأغنام يتنقل بها في مراتع البادية ثم يعود أحياناً لمزرعته التي تقع في وادي النقيع ليحصد محاصيلها ويبيعها في أسواق المدينة، حيث كانت هذه المزرعة تسقى بطريقة "البعل" أي على مياه الأمطار. وقد كان صياف يرافق والده في هذه الرحلات. ويجلس معه في مجالس القرية، ويحضر معه محافل الشعراء وتسامرهم في المناسبات الاجتماعية، حيث كان والده يعشق الشعر ويحفظه، لكنه لا يقرضه. وقد أثرت تلك المسامرات ومخالطة الشعراء في نفس الطفل الصغير صياف فأخذ يصغي لها ويحفظ أبياتاً يرددها مع والده بعد نهاية الحفل، ويحاول تقليد شخصيات الشعراء والقائهم للقصايد، فكان يعجب السامعين ويطربهم، لكنه الإعجاب المغلف بالشفقة والعطف على هذا الطفل اليتيم. فيطلبون منه ترديد بعض القصايد ويشجعونه ويصفقون له.
شعره
بدأ تجربته الشعرية وبخاصة شعر المحاورة من سنة 1961م 1382 هـ حيث كان يحضر الحفلات التي تقام في المدينة المنورة، وفي 1/4/1384 هـ الموافق 9 أغسطس 1964 التحق بقطاع الحرس الوطني بالرياض، وقد أتيحت له الفرصة للاختلاط بشعراء المحاورة أمثال سعد البقمي (المعنى) الذي كان مشهوراً في المنطقة وغيره من الشعراء، وبعد ذلك انتقل إلى منطقة نجران، وهناك تعرّف على بعض الشعراء مثل الشاعر فيصل العتيبـي. وإلى جانب ذلك تعرف على شعراء المنطقة الجنوبية ليضيف لثقافته الشعرية ألواناً من الفنون الجنوبية الصعبة التي أفادته كثيراً، بعد ذلك انتقل إلى مدينة جدة في عام 1389 هـ الموافق 1969م، واستقر بها ليدخل ميادين المحاورة ويواجه أكبر شعرائها أمثال: عبد الله المسعودي، محمد الجبرتي، ومحمد بن تويم، ومطلق الثبيتي، ومحمد بن جرشان البقمي، ومعيض العجي ومستور العصيمي وغيرهم.
لكنه عرف على مستوى المملكة والخليج منذ عام 1397 هـ الموافق 1977م بعد اشتراكه في حفل التراث الذي أقامته جامعة الرياض "الملك سعود حالياً" مع مجموعة من شعراء المحاورة، منهم أحمد الناصر وخلف بن هذال العتيبي ومستور العصيمي مطلق الثبيتي وعبد الله المسعودي وجار الله السواط ومحمد بن تويم ومحمد الجبرتي وقد برز صياف الحربي تلك الليلة بروزاً مشهوداً عـَرّفه بالجمهور بشكل جيد ومال الشعراء الكبار للعب معه.
يقول صياف عن نفسه: (أحسست بالشعر قبل أن أتلفظ به حينما كنت صغيراً، فتقليد الشعراء وحفظ أشعارهم مهـَّد لدي طريق صنع البيت، أما المعنى فكان صعب المنال في البداية، وقد كنت أمارس هذه الهواية بين أقراني في المساء عندما نتسامر).
بدأ صياف اثبات ذاته الشعرية حينما امتحنه شاعـر كبير من اقربائه يدعى "مهـَيـْل بن سهو السحيمي" كان من أشهر شعراء القبيلة آنذاك، سمع بخبر شاعرية صياف فأراد تأكيدها فوّجه إليه بيتاً على طرق المحاورة في مجلس والد صياف الذي لم يعرف أن ولده يقول الشعر، وقد كان الحاضرون من كبار السن من جماعته، لكن صيافاً قد أحس بالحرج خصوصاً وهو صغير بين كبار ينتظرون منه رداً بحجم عقلية وخبرة شاعرهم "مهـَيـْل". يقول صياف: (سكت خجلاً لكن الرد قد حضر مبكراً وقد انتظرت الفرصة وعندما خفـَت ضوء النار في المجلس الذي كان هو مصدر الإضاءة حينذاك فقلت للشاعر: اسمع الرد. وبعدما انتهيت نظر لوالدي باعجاب وقال إن ابنك صياف سوف يكون شاعراً مقتدراً). تفجرت موهبته شعراً قوياً في بدايته فكان سريع الرد قوياً في معانيه وعباراته وقد بارز سبعة شعراء في وقت واحد ورد عليهم وباقتدار مما لفت انظار جمهوره فأخذ يتابعه.
أبرز مواقفه الشعرية
يقول صياف: (في بدايتي الشعرية كنت في أحد الملاعب ألعب مع شاعرين في وقت واحد، ولما سمع محمد الجبرتي بذلك قال: اتركوا لي هذا الشاعر، وكان يسرع في الرد ويركض بين الصفوف كركض الحصان، وعندما يكمل البيتين أرد عليه ببيتين في وقت واحد وعندما انتصف القاف "المحاورة" كان ينتظر أن تقل سرعة الرد عندي وهو يستمر على سرعته، لكنه وجد العكس، فقال للشعراء الذين كانوا يلعبون معي: العبوا معه هذا مجنون!، وحينها شعرت أن معنوياتي قد ارتفعت لأن هذا القول جاء من شاعر ذي مكانة، فقد كان أقوى شعراء المنطقة في ذلك الوقت). وفي موقف آخر يقول صياف: (حضرت حفلة كبيرة في منطقة الطائف يحييها عدد من الشعراء المعروفين آنذاك، مثل عبد الله المسعودي الشاعر مبروك مبارك أبوناب العصلاني الحربي وجار الله السواط وغيرهم، ولم أكن معروفاً لدى حضور هذه الحفلة من شعراء وجماهير، وقد قامت محاورة بين عبد الله المسعودي وأبو ناب الحربي، وقد رأيت المسعودي قد تفوق على الشاعر الحربي فانتخيت له وطلبت الرد على المسعودي، فأعطاني الدور ورديت، فنظر إليّ الشاعر عبد الله المسعودي مستنكراً أياي وقال مغيراً الطاروق:
طبّه طبيبه أَلاَ يا ما أكبر الطبّه *** فك النّشب يا عريفٍ تعرفه فكّه
فرديت بسرعة:
شبّه شبيبه ألاَ ياما أحسن الشبّـه *** حكّه في رَجْلٍ عضب ما يحمل الحكّه
فأعجب المسعودي بسرعة الرد مني وصياغته، ومن ثم طلب اللعب معي وقد برزت نداً قوياً له).
إمتاز شعر صياف بسلاسة العبارة المقترنة بقوة المعنى، ومشهود له بحسن الرد، فلم يضعف رده أبداً منذ بدايته حتى هذا اليوم، ولا يتأثر بشخصية خصمه بل عرف عنه أنه يقوى إذا وقف أمامه شاعر كبير وقد حاور صياف العديد من الشعراء مثل حبيب العازمي ومطلق الثبيتي وفيصل الرياحي.
تعليمه وثقافته
بعد التحاقه بالحرس الوطني واصل صياف دراسته، حيث كان يتمنى الجمع بين الشعر والتعليم حتى وصل المرحلة المتوسطة، لكنه انقطع عن الدراسة بسبب ظروف عمله وولعه بالشعر وانشغاله بمتابعة أمسياته، لكنه استفاد بمتابعة الشعر والشعراء وحبه الاطلاع على ما يقع بين يديه من كتب مما انعكس على شخصيته فعرف عنه قوة الألفاظ ورصانة العبارة، كلماته منتقاة وهو ذكي لماح وصاحب خاطر جريء، ولا يتميز صياف الحربي بموهبته الشعرية فقط، لكنه يتميز بدماثة أخلاقه وهدوئه الملحوظ أثناء المحاورة، فلا ينفعل بسرعة ولا يميل إلى المهاترات، فأصالة الأدب تكمن في روحه ولا يحب اللغو في القول. وهذه الصفات والمزايا لا تتوفر إلاّ في الشاعر الذي يثق في موهبته ويحترم نفسه ويحترم الآخرين مما جعله يحظى بعلاقات طيبة مع زملائه الشعراء ومزيد من الإعجاب والتقدير من الجميع.