التابعون ومنهجية التفسير اللغوي

التابعون ومنهجية التفسير اللغوي

المقدمة:
لقد كان تنزيل القرآن الكريم باللسان العربي المبين؛ بسبب اختيار الله أمة العرب لحمل الرسالة الخاتمة، إذ من شأن الرسالة أن تكون معقولة بلسان القوم الذين أرسل فيهم حاملها ومبلغها، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُول إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمه لِيُبَيِّن لَهُمْ ﴾، فهنا جاء تعليل إرسال الرسول - وهنا يراد به الجنس لا العين - في قومه لإفادة البيان، ولن تقوم الحجة بلسان غير اللسان الذي يتحدث به القوم، ولكن العجب في الحقيقة من جهة جعل رسالة القرآن الرسالة الخاتمة، وجعل رسولها عليه الصلاة والسلام الرسول الخاتم، وجعل إطارها الحاضن لها اللسان العربي المبين، وليس هذا فحسب، بل وجعل الجهة المستهدفة به العالمين كافة، وفي هذا خصوصية انفردت به أمة العرب عن غيرها من الأمم السالفة، وفي الحديث: "كان الرسول يبعث في قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة"[1].
وهنا يحق للباحث أن يتساءل عن وجه الاختيار وبيان علته، إذ المرء بحاجة إلى إدراك الحكمة من الرسالة كما احتاج إلى إدراك الحكمة من الخلق، وكلاهما في ظننا مبثوث في نصوص الوحيين على اختلاف في البيان والإظهار، والذي يظهر للباحث أن مرجع الاختيار راجع طبيعة الرسالة نفسها، إذ محورها المركزي الذي لا يمكن تجاوزه مهما تغاير الزمان والمكان هو القرآن الكريم، ومداره على اللسان العربي المبين، ومرجع اختياره ليكون حاملاً للرسالة الخاتمة الدائمة أن هذا اللسان له القدرة على الاستيعاب المعرفي والعلمي بالصورة التي يمكن لأي لغة أخرى أن تقوم به أو تحققه، وساعدها على ذلك إنزال القرآن الكريم نفسه بها، إذ كان القرآن عاملاً رئيساً في الحفاظ على اللغة وتثبيتها وحمايتها لا العكس، ومن التقريرات التي يلزم التأكيد عليها وأخذها بالحزم والعزم أن القرآن الكريم لا يمكن التعامل معها أو الاستفادة منه علماً أو حكماً إلا وفقاً لمادته العربية، فإن معرفة ألفاظه ودلالاته وفهم مقاصده وأغراضه والوقوف على مقومات بنائه إنما تكون من جهة لسان العرب وقت التنزيل، وإلا كان خروجاً عن الجادة وإدخالاً للقرآن وخطابه المتجاوز في الدائرة البشرية النسبية التي لا تختلف عن سواها من كلام البشر، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ۖ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ۗ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ [فصلت: 44]، قال الإمام أبو بكر بن العربي رحمه الله: "التبيان والإعجاز إنما يكون بلغة العرب، فلو قلب إلى غير هذا لما كان قرآناً ولا بياناً، ولا اقتضى إعجازاً"[2]، وقبله قال إمام العربية الإمام الشافعي رحمه الله: "ومن جماع علم كتاب الله العلم بأن جميع كتاب الله إنما نزل بلسان العرب... والقرآن يدل على أن ليس من كتاب الله شيء إلا بلسان العرب"[3].
وبهذا الاعتبار فإن الباحث يحاول الوقوف عند مرحلة زمنية كان لها دورها في فهم القرآن بالمقتضى اللغوي، إنها مرحلة وعصر التابعين رحمهم الله تعالى، هي مرحلة لم تتأثر بالعجمة كثيراً، وإن كانت ظهرت فيها شيئاً يسيراً، إلا أنها ولا شك بقيت محافظة على أصالة اللغة، والدليل على هذا ظهور مدارس تفسيرية لغوية كان لها الأثر البارز فيمن لحقها من علماء التفسير، وعلى هذا الأساس عزمنا النظر في هذه المدرسة وما سادها من أبعاد تفسيرية في بعده اللغوي، معرجين قبل ذلك على دراسة المفاهيم، وأخذ لمحة إجمالية عن أبرز معالم هذه المرحلة الثرية بعلمها، الغزيرة بثمارها المنهجية.
المبحث الأول: في مفاهيم البحث:
سنقف في هذا المبحث على مفهومين شكلا البعد الموضوعي للبحث كله، وهما مفهوم: (التفسير اللغوي)، ومفهوم: (التابعين).
أولاً: التفسير اللغوي:
جمع هذا المفهوم لفظين شكلا لقباً لفرع من فروع علم التفسير، وهما التفسير واللغة، والتفسير في الأصل مأخوذ من الفسر التي تدور حول البيان الكشف والإبانة والظهور، وما تعلق بالمجال المعرفي للتفسير، فإن المصطلح العلمي لا يبتعد كثيراً عن المعنى اللغوي، وإنما يقيده بعد إطلاق، ولذلك فإن التفسير في مقتضاه اللغوي قد اختلفت عبارات العلماء فيه، فمن ذلك ما قاله الإمام أبو حيان الأندلسي: "التفسير علم يبحث فيه كيفية النطق بألفاظ القرآن الكريم، ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب وتتمات ذلك"[4]، وقال الإمام الزركشي: "واعلم أن التفسير في عرف العلماء كشف معاني القرآن وبيان المراد أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره"[5].
وأما اللغة فقد عرفت عدة تعريفات عند العلماء، منها تعريف ابن جني: "أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم"[6]، وقال ابن حزم: "ألفاظ يعبر بها عن المسميات وعن المعاني المراد إفهامها، ولكل أمة لغتهم"[7]، وهما تعريفان متقاربان.
أما التفسير اللغوي، فلا شك هو مفهوم مركب من المفهومين السابقين، ويمكن تفسيره بالمقتضي اللقبي المركب، بأنه: " بيان معاني القرآن بما ورد في لغة العرب"[8]، وهذا التعريف له شقان الأول بيان معاني القرآن، ومعناه أن هناك مناهج تفسيرية متعددة تشترك في بيان معاني القرآن، كتفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنة، وتفسير القرآن اللغة وهكذا، أما الشق الثاني فيعد مقيداً للشق الأول، ومقتضاه تفسير القرآن بموجب ما ورد في لغة العرب. ومعنى هذا أن التفسير اللغوي يعد أحد المناهج المعتمدة في بيان معاني القرآن الكريم.
ثانياً: التابعون:
التابعون هم الذين جاؤوا بعد عصر النبوة، ولم يلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما صحبوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت نصوص تزكي هؤلاء التابعين، كما في الحديث الصحيح: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"[9]، وخيريتهم بلا شك فردية وليست جماعية؛ لأن عصرهم ظهرت فيهم بعض الاتجاهات المخالفة للنهج النبوي ونهج الأصحاب رضي الله تعالى عنهم، بخلاف عصر الصحابة فخيريتهم جماعية، لأنهم جميعهم عدول كما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وكما دل عليه إجماع الأمة.
المبحث الثاني: مكانة التفسير في عصر التابعين:
بانتهاء عصر الصحابة فيما تعلق بالتفسير، تبدأ المرحلة الثانية من عصر التابعين الذين تتلمذوا على يد الصحابة، فتلقوا غالب معلوماتهم عنه. وكما اشتهر بعض أعلام الصحابة بالتفسير والرجوع إليهم في استجلاء بعض ما خفي من كتاب الله، اشتهر أيضًا بالتفسير أعلام من التابعين، تكلَّموا في التفسير، ووضَّحوا لمعاصريهم خفي معانيه.
وقد اعتمد هؤلاء المفسِّرون في فهمهم لكتاب الله تعالى على مناهج متعددة، منها تفسير القرآن بالقرآن، ومنها على ما رووه عن الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها ما رووه عن الصحابة من تفسيرهم أنفسهم، وعلى ما أخذوه من أهل الكتاب مما جاء في كتبهم، ومنها اعتمادهم على ما يفتح الله به عليهم من طريق الاجتهاد والنظر في كتاب الله تعالى بمقتضى اللغة التي كانوا محافظين على سمتها وأصولها بالسليقة.
وقد روت لنا كتب التفسير كثيرًا من أقوال هؤلاء التابعين في التفسير، قالوها بمقتضى اللغة، ولم يصل إلى علمهم شيء فيها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عن أحد من الصحابة. ذلك أن ما نُقِل عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعن الصحابة من التفسير لم يتناول جميع آيات القرآن، وإنما فسَّروا ما غمض فهمه على معاصريهم، ثم تزايد هذا الغموض -على تدرج- كلما بَعُد الناس عن عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة، فاحتاج المشتغلون بالتفسير من التابعين إلى أن يكملوا بعض هذا النقص، فزادوا في التفسير بمقدار ما زاد من غموض، ثم جاء مَن بعدهم فأتموا تفسير القرآن تباعًا، معتمدين على ما عرفوه من لغة العرب ومناحيهم في القول، وعلى ما صح لديهم من الأحداث التي حدثت في عصر نزول القرآن... وغير هذا من أدوات الفهم ووسائل التفسير[10].
وقد اشتهر في التفسير في زمن التابعين جملة منهم ممن تتلمذوا على يد الصحابة المشهورين بالتفسير، ومن المبرزين منهم في هذا الشأن: الحسن البصري، ومجاهد بن جبر، وعكرمة مولى ابن عباس، والضحاك، وعطاء بن أبي رباح، ومسروق بن الأجدع، وسعيد بن المسيب، وأبو العالية، والربيع بن أنس، وقتادة بن دعامة السدوسي، والسدي، والكلبي، ومقاتل بن سليمان، وغيرهم. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " وأما التفسير فأعلم الناس به أهل مكة، لأنهم أصحاب ابن عباس كمجاهد، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة مولى ابن عباس، وغيرهم من أصحاب ابن عباس، كطاوس، وأبي الشعثاء، وسعيد بن جبير وأمثالهم. وكذلك أهل الكوفة من أصحاب ابن مسعود، ومن ذلك ما تميزَّوا به عن غيرهم، وعلماء أهل المدينة في التفسير، مثل زيد بن أسلم، الذي أخذ عنه مالك التفسير، وأخذ عنه أيضًا ابنه عبد الرحمن، وعبد الله بن وهب"[11].
وكانت مدارسهم على النحو الآتي[12]:
أولًا: مدرسة التفسير بمكة:
قيامها على ابن عباس: قامت مدرسة التفسير بمكة على عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- فكان يجلس لأصحابه من التابعين، يُفسِّر لهم كتاب الله تعالى، ويوضح لهم ما أشكل من العناية، وكان تلاميذه يعون عنه ما يقول، ويروون لمن بعدهم ما سمعوه منه. وأشهر رجالها: وقد اشتهر من تلاميذ ابن عباس بمكة: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة مولى ابن عباس، وطاوس بن كيسان اليماني، وعطاء بن أبي رباح.
ثانيًا: مدرسة التفسير بالمدينة:
قيامها على أبي بن كعب، كان بالمدينة كثير من الصحابة، أقاموا بها ولم يتحوَّلوا عنها كما تحوَّل كثير منهم إلى غيرها من بلاد المسلمين، فجلسوا لأتباعهم يعلمونهم كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فقامت بالمدينة مدرسة للتفسير، تتلمذ فيها كثير من التابعين لمشاهير المفسِّرين من الصحابة. ونستطيع أن نقول: إن قيام هذه المدرسة كان على أبي بن كعب، الذي يُعتبر بحق أشهر من تتلمذ له مفسِّرو التابعين بالمدينة، وذلك لشهرته أكثر من غيره في التفسير، وكثرة ما نُقل لنا عنه في ذلك. وأشهر رجالها: وقد وُجِد بالمدينة في هذا الوقت كثير من التابعين المعروفين بالتفسير، اشتهر من بينهم ثلاثة، هم: زيد بن أسلم، وأبو العالية، ومحمد بن كعب القرظي. وهؤلاء منهم مَن أخذ عن أبي مباشرة، ومنهم مَن أخذ عنه بالواسطة.
ثالثًا: مدرسة التفسير بالعراق:
قيامها على عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه، قامت مدرسة التفسير بالعراق على عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- وكان هناك غيره من الصحابة أخذ عنهم أهل العراق التفسير، غير أن عبد الله ابن مسعود كان يعتبر الأستاذ الأول لهذه المدرسة، نظرًا لشهرته في التفسير وكثرة المروي عنه في ذلك، ولأن عمر -رضي الله عنه- لما وَلَّي عمار بن ياسر على الكوفة، سيَّر معه عبد الله بن مسعود مُعلِّمًا ووزيرًا، فكونه مُعلِّم أهل الكوفة بأمر أمير المؤمنين عمر، جعل الكوفيين يجلسون إليه، ويأخذون عنه أكثر مما يأخذون عن غيره من الصحابة
ويمتاز أهل العراق بأنهم أهل الرأي. وهذه ظاهرة نجدها بكثرة في مسائل الخلاف، ويقول العلماء: إن ابن مسعود هو الذي وضع الأساس لهذه الطريقة في الاستدلال، ثم توارثها عنه علماء العراق، ومن الطبيعي أن تؤثر هذه الطريقة في مدرسة التفسير، فيكثر تفسير بالرأي والاجتهاد، لأن استنباط مسائل الخلاف الشرعية، نتيجة من نتائج إعمال الرأي في فهم نصوص القرآن والسُّنَّة. وأشهر رجالها: وقد عُرِف بالتفسير من أهل العراق كثير من التابعين، اشتهر من بينهم علقمة بن قيس، ومسروق، والأسود بن يزيد، ومُرَّة الهمداني، وعامر الشعبي، والحسن البصري، وقتادة بن دعامة السدوسي.
المبحث الثالث: التفسير اللغوي عند التابعين:
أن الناظر في التفاسير المنقولة عن التابعين يقف على مصادر متعددة لتفاسيرهم، وأهم مصادرهم فيه: الكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة، واللغة، ثم الاجتهاد بعد تحصيل العلوم والمعارف اللازمة للاجتهاد، مع رجاحة العقل، وإخلاص النية، والموهبة الربانية، وبهذا الاعتبار نجد أن اللغة تعد أحد المصادر الرئيسة في تفسير التابعين، ولو وقفنا على بعض النماذج التي تظهر اعتماد علماء التفسير من التابعين على اللغة؛ لبيان القيمة المنهجية التي يتبوؤها التفسير اللغوي:
أولاً: مجاهد بن جبر:
وهو أعلم التابعين بالتفسير: فقد كان رحمه الله من اللغة واللسان العربي، فوظف ذلك لخدمة كتاب الله تعالى، ولم ير لغير أهل اللسان العربي الخوض في معاني القرآن، بل يقول لا يحل لأحد يؤمن بالله وباليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالماً بلغات العرب. فعند قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ﴾، قال: ل تضعف أن تستكثر من الخير، قال: تمنن في كلام العرب: تضعف[13].
ثانياً: عكرمة مولى ابن عباس:
وهو من أعلم علماء التفسير عند التابعين، قال الشعبي: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة، وكان عكرمة إذا قدم البصرة أمسك الحسن البصري عن التفسير والفتيا ما دام عكرمة فيها، وقد جاء من تفسيره في قوله تعالى: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾، قال: (لا تلبس ثيابك على غدر). وتمثل بقول غيلان الثقفي:

فإني بحمد الله لا ثوب غادر *** لبست ولا من سوأة أتقنع

وهذا تأويل لغوي، واستعانة بالشعر على تقرير التفسير، وهو منهج أصيل عند المفسرين[14].


ثالثاً: الحسن البصري:
كان رحمه الله من بحور العلم، رأساً في أنواع الخير، لازم الجهاد، والعلم، والعمل، قال الشافعي: لو أشاء أقول: إن القرآن نزل بلغة الحسن لقلت: لفصاحته، وقد اشتمل تفسيره على تفسير القرآن بالقرآن، وبالسنة، وبأقوال الصحابة، وبالاجتهاد والاستنباط[15]، وكان متقدما في علوم اللغة العربية، وما ورد من تفسيره بمقتضى اللغة، ما قاله عند قوله تعالى: 5 وخرقوا له بنين وبنات 4، قال: خرقوا بالتخفيف كلمة عربية، كان الرجل إذا كذب في النادي قيل: خرقها ورب الكعبة[16].
رابعاً: قتادة بن دعامة السدوسي:
أحد الأئمة في حروف القرآن، وله اختيار من القراءات المروية، كان رأساً في العربية، واللغة، وأيام العرب، ومن أعلم الناس بالأنساب، وقال الإمام أحمد بن حنبل: قتادة عالم بالتفسير، وباختلاف العلماء، ووصفه بالفقه، والحفظ وأطنب في ذكره[17]، ومن لطائفه التفسيرية، ما قاله معمر: سألت أبا عمرو بن العلاء عن قوله تعالى: ﴿ وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ﴾، فلم يجبني، فقلت: إني سمعت قتادة يقول: مطيقين. فسكت، فقلت له: ما تقول يا أبا عمرو؟ فقال: حسبك قتادة، فلولا كلامه في القدر، لما عدلت به أحداً من أهل دهره[18].


خامساً: عامر بن شراحيل الشعبي:
وهو إمام حافظ، وحجة متقن، وقد عرض القرآن على أبي عبدالرحمن السلمي وعلقمة، وقد كان متقدماً في اللغة العربية، ولذلك كانت أحد مصادر في تفسير القرآن الكريم بالإضافة إلى بقية المناهج التفسيرية كالتفسير بالقرآن والسنة وأقوال الصحابة وأقوال معاصريه من التابعين، ومما نقل عنه في تفسير القرآن بالمقتضى اللغوي ما قاله في تفسيره لقوله تعالى 5فإذا هم بالساهرة4، قال: إذا هم بالأرض، ثم تمثل ببيت أمية بن أبي الصلت:

وفيها لحم ساهرة وبحر *** وما فاهوا به أبداً مقيم

فهنا رحمه الله تعالى يستعمل اللغة وكلام العرب وأشعارهم قبل الإسلام في تفسير كلام الله تعالى[19].

الخاتمة

على الرغم من صغر البحث الذي تعرض له الباحث، إلا أن هناك ولا شك جملة من النتائج التي خرج بها من بحثه، وأهم ما توصل إليه الباحث ما يأتي:
أولاً: التفسير اللغوي يعد أحد مصادر التفسير عند السلف، وقد ظهر لنا كيف أن التابعين أسسوا علمهم عليه كأحد المناهج المعتمدة في تعاملهم مع النص القرآني.
ثانياً: أن الذي دفع التابعين إلى التفسير اللغوي فيما يظهر عدم وجود نصوص منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم، وهذا يعني أن التفسير اللغوي يعد أحد وجوه الاجتهاد في التفسير الذي تمكن منه التابعون، وهذا يستلزم كما قلنا أدوات الاجتهاد والبحث.
ثالثاً: القيمة العليا التي تمتع بها جيل التابعين؛ لكونهم تتلمذوا على خير الأمة بعد رسولها صلى الله عليه وسلم، وهذا يعطيهم منزلة يقصر عنها غيرهم من اللاحقين، وقد تبين لنا الإحكام العلمي والمنهجي واللغوي الذي تمتعوا به رحمهم الله تعالى.
رابعاً: أن القرآن الكريم بحاجة دائماً إلى التعرض بحثاً واستنباطاً وفقاً للمناهج التي وضعها العلماء استقراء وتتبعاً من نصوص المتقدمين من السلف: الصحابة والتابعين وتابعيهم، والمحققين من العلماء اللاحقين.
خامساً: الأمة مطالبة وخاصة طلبة العلم بضرورة تقدير تلكم المرحلة الزمنية؛ لكونها حاملة لواء نقل العلم إلى البشرية جمعاء من أفواه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فكل الخير في اتباع من سلف، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها كما قال الإمام مالك رحمه الله.
[1] صحيح البخاري، رقم: 335.
[2] أحكام القرآن، أبو بكر بن العربي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط3، 1424هـ/2003م، ج4ص88.
[3] الرسالة، محمد بن إدريس الشافعي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1هـ/1938م، ص40-41.
[4] البحر المحيط، لأبي حيان الأندلسي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1413هـ/1993م، ج1ص121.
[5] البرهان في علوم القرآن، الزركشي، دار التراث، القاهرة، ط3، 1404هـ/1984م، ج2ص149.
[6] الخصائص لابن جني، المكتبة العلمية، القاهرة، بدون تاريخ، ج1ص33.
[7] الإحكام في أصول الأحكام، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط2، 1403هـ/1983م، ج1ص46.
[8] التفسير اللغوي للقرآن الكريم، د.مساعد بن سليمان الطيار، دار ابن الجوزي، ط4، 1434هـ، ص38
[9] أخرجه البخاري في صحيحه، رقم: 2652.
[10] التفسير والمفسرون، محمد حسين الذهبي، مكتبة وهبة، القاهرة، ج1ص.
[11] شرح مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية، مساعد الطيار، دار ابن الجوزي، الدمام، ط1، 1428هـ، ص131.
[12] التفسير والمفسرون، مرجع سابق، ج1ص77 فما بعدها.
[13] تفسير التابعين عرض ودراسة مقارنة، د.محمد بن عبد الله الخضيري، دار الوطن، الرياض، ج1ص122.
[14] التفسير والمفسرون في ثوبه الجديد، د.عبد الغفور محمود جعفر، دار السلام، القاهرة، ط1، 1428هـ/2007م، ص492.
[15] التفسير والمفسرون في ثوبه الجديد، مرجع سابق، ص495.
[16] تفسير التابعين عرض ودراسة مقارنة، مرجع سابق، ج1ص204.
[17] التفسير والمفسرون في ثوبه الجديد، مرجع سابق، ص496.
[18] تفسير التابعين عرض ودراسة مقارنة، مرجع سابق، ج1ص284.
[19] تفسير التابعين عرض ودراسة مقارنة، مرجع سابق، ج1ص330.
د. فارس العزاوي

روح انثى معجب بهذا

نزف القلم
جزاك الله خير على طرحك القيم
بارك الله فيك وكثر من امثالك
لاخلا ولا عدم

جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما

تحيآتي والف شكر
أسعدني طرحك الجميل لآعدمنآك
الله يعطيك العآفية

نزف القلم مشاركة رائعة بارك الله فيك علىَ هذا الطَرح الآنيقَ والمميز وَسَلِمتَ يُمنَآكِ المُخمليِهَ لِا جلبهآ الجديد و المفديد جَزيَلِ شُكِريَ ..ْ~| عشق اليالي

طرح رآقي گ روحـگ
لآعدمنا جمآل ذآئقتگ
تحية صادقه من الاعماق
وبآنتظار جديد آبداعكگ دائمآ
ودي لگ

\،،



يّعَطٌيّك أِلَفُ عَافُيّهِ عَلَى الَمِجَهِوِدُ الَرٌائعَ
رٌوِعَهِ ك رٌوِعَة حًضّوِرٌك
لَك كلَ الَشّكرٌ وِالَتُقَدُيّرٌ
أِحًتَرٌاميَ
،،

جزاك الله خيراً على انتقائك القيم
وجعلها ربي في ميزان حسناتك
وفي انتظار المزيد

شكرا لك على الموضوع
يعطيك العافيه
احترامي

جزااك الله كل خير
وجعله الباري في موازين حسناتك
دمت / دمتي بحفظ الباري