الموضوع: ليتنى كنت اعلم
عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 04-29-2021, 05:36 PM
روح انثى غير متواجد حالياً
Egypt     Female
اوسمتي
وسام أوفياء الموقع المليونية الثالثة عيد اضحى مبارك وسام شعلة المنتدى 
لوني المفضل Brown
 عضويتي » 92
 جيت فيذا » Jun 2020
 آخر حضور » 12-19-2023 (01:15 AM)
آبدآعاتي » 3,275,412
الاعجابات المتلقاة » 20952
الاعجابات المُرسلة » 15665
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه
جنسي  »
آلقسم آلمفضل  »
آلعمر  »
الحآلة آلآجتمآعية  »
 التقييم » روح انثى has a reputation beyond reputeروح انثى has a reputation beyond reputeروح انثى has a reputation beyond reputeروح انثى has a reputation beyond reputeروح انثى has a reputation beyond reputeروح انثى has a reputation beyond reputeروح انثى has a reputation beyond reputeروح انثى has a reputation beyond reputeروح انثى has a reputation beyond reputeروح انثى has a reputation beyond reputeروح انثى has a reputation beyond repute
مشروبك  » مشروبك   الاسلامي
قناتك   » قناتك
ناديك  » اشجع
مَزآجِي  »
بيانات اضافيه [ + ]
مزاجي:
Thumbs up ليتنى كنت اعلم






ليتنى كنت اعلم
السلام عليكم ورحمة الله



جلست ( أنفال ) في عيادة الطبيب، تنتظر نتيجة الفحص؛ و كانت تستعجل الوقت لأنها مدعوة إلى حفلة! لم تكن تفكر في طبيعة النتيجة بقدر ما كانت تخشى من تسرب الوقت و فوات موعد صالون الحلاقة؛ فهي لم تكن تجد في التحليل الذي تنتظر نتائجه سوى إجراء احتياطي جاء نتيجة رغبة الأهل و اهتمامهم بأمرها؛ و إلا فهي لا تحس بأي عارض مخيف، و لا تستشعر من المرض ما يريب، عدا بعض الآلام الطفيفة في المفاصل.




و أخيراً، استدعيت إلى غرفة الطبيب؛ فدخلت عليه و هي مستعجلة إنهاء الأمر و الإسراع في الخروج. و فوجئت، عندما دخلت، بسحابة من كآبة ترين على وجه الطبيب، الشيء الذي دعاها أن تقول عندما سألها: هل أنتِ صاحبة التحليل؟


-كلا، إنها ابنتي.


فقد أرادت أن تعرف الحقيقة؛ و لعله سوف يتحفظ معها لو عرف أنها صحابة التحليل. و وقفت أمامه تنتظر، فأشار إلى كرسي هناك، و طلب منها أن تجلس، فجلست وقد بدأ الوجل يتسرب إلى نفسها. و تطلعت إليه في لهفة، و لكن ليس من أجل الخروج في هذه المرة، بل من أجل فهم الحقيقة.


قال :


لماذا لم ترسلوا رجلاً بدلاً عنك لأخذ النتيجة يا سيدة؟


قالت :


لأنني كنت مارّة من هنا، و لهذا لم نجد ما يستدعي إرسال سواي. ثم إنني يمكنني أن أسمع الحقيقة مهما كانت.


فسكت الطبيب و هو ينظر إليها في جد مشوب بالأسف، ثم قال:


إن هذا يؤكد أنك سيدة مثقفة فاهمة لطبيعة الحياة.


قال هذا ثم سكت. فسرت في جسمها رعدة من الخوف، و تساءلت:


كيف؟ و ماذا تعني يا دكتور؟






فأجابها: إن نتائج التحليل تشير إلى وجود مرض في الدم.


قال هذا ثم سكت و أطرق في أسى. فلم تجد أنفال حاجة لأن تستزيده أو تستوضحه أكثر. فرددت في فزع قائلة: (سرطان)؟


و لم يرفع الطبيب رأسه و بقي ساكتاً في ألم من أجل هذه الأخت المصابة؛ و كان هذا السكوت بمثابة حكم بالإعدام عليها، فغمغمت تقول في شبه حشرجة:


آه، لقد انتهيت إذن…


و هنا عرف الطبيب أنها كانت تكذب عليه.. نعم عرف ذلك و لكن بعد فوات الأوان. فرفع إليها وجهه و نظر نحوها نظرة حنو و قال :


إنني آسف. لماذا كذبت عليّ، يا بنتاه؟ و لكن، و على كل حال، فإن الموت و الحياة بيد الله. و كم من مريض عاش و صحيح مات؟




و كانت ( أنفال ) تشعر أن روحها أخذت تغور إلى الأعماق، و أن يداً فولاذية امتدت لتشد على قلبها فتعصره في قساوة؛ و لكنها استجمعت فلول قوتها و هي تقول:


أرجو المعذرة يا دكتور، و شكراً.


فرد عليها الطبيب مشجعاً :


كوني قوية و متفائلة، فإن الطب لا يزال في تقدم. و لعل المرض الذي لا يوجد دواء له اليوم سوف يوجد دواؤه غداً؛ و لهذا فإن الأمل لا يزال موجوداً. و سوف أبحث عن أحدث الأفكار الطبية لعلني أجد الدواء المطلوب. و لهذا فأنا أرجو أن تتركي لي رقم هاتفك يا بنتاه.


و بطريقة آلية ذكرت له رقم الهاتف، فهي لم تكن تعي ما تقول أو ما يقول، فقد كانت تعيش آثار الصدمة في عنف و مرارة، ثم أعادت عليه كلمة الشكر و خرجت.




و في البيت… كتمت الحقيقة، فلم تكن تعرف أو تقوى أن تتحدث عنها. ثم إنها وجدتهم في شغل عن ذلك بالاستعداد للذهاب إلى الحفلة… و سألتها أمها قائلة:


ألم تمري على الدكتور يا أنفال؟ ثم لماذا لم تذهبي إلى مصففة الشعر؟


كان السؤال عابراً غير منتظر للجواب، و لهذا فقد ردت عليها باقتضاب قائلة:


لأنني سوف لن أذهب إلى الحفلة.




قالت هذا و صعدت إلى غرفتها و أغلقت الباب من الداخل، ثم استلقت على السرير و هي بكامل ملابسها، و أصوات أهلها تصلها و كأنها تأتي من وراء بعد سحيق. و كان صوت الريح يطرق أذنها فتجد فيه عزفاً جنائزياً حزيناً و كأنه العويل الذي ينعى إليها شبابها و حياتها الفتية…




حتى غرفتها الحبيبة إليها أصبحت تجد أنها غريبة فيها ما دامت راحلة عنها بعد قليل. و البيت؟ لقد أصبحت ضيفة في هذا البيت و سوف تتركه مجبرة لكي يحل آخرون مكانها فيه، يذكرونها فترة ثم ينسونها بعد حين. و حاولت أن تبكي، فلم تسعفها الدموع؛ فهي تريد أن تفكر و لا تريد أن تبكي. وتلفتت حولها في ألم… وجدت الستائر التي بذلت الكثير من الجهد حتى حصلت عليها و التي فتشت عن أحلى و أحدث تصميم لخياطتها؛ هذه الستائر سوف تبقى لتذهب هي إلى غير رجعة فماذا يهمها الآن لو كانت من خام او كتان؟ إنها ذاهبة عنها و مخلّفتها لسواها. ليتها ما بذلت الجهود من أجلها؛ ليتها وفرت ذلك الوقت و المال لشيء يفيدها في محنتها هذه.




و هنا بدأت تفتش في ذاكرتها عن شيء لعله يفيد. ماذا؟ إن لديها كل شيء: الشباب و الجمال و الثقافة و المال و الأثاث و الرياش. و لكن هل يفيدها شيء من ذلك أو يدفع عنها خطر الموت؟ إنها كانت تتمنى لو تصبح موظفة تتقاضى راتباً شهرياً محترماً، و ها هي الآن موظفة تتقاضى راتباً؛ و لكن هل سوف يستنقذها راتبها من الموت؟ و هنا خطرت لها فكرة فسارعت إلى جهاز الهاتف؛ و كان البيت قد أصبح خالياً إلا منها، فقد ذهب الجميع إلى الإحتفال. فاتصلت بطبيبها و تساءلت في لهفة قائلة:


لو ذهبتُ إلى الخارج هل سوف أجد علاجاً شافياً هناك؟


قال :


ليس هناك من جديد. إنها أتعاب و خسارة بدون فائدة…




فأغلقت السكة و جلست على المقعد بجوار الهاتف متهالكة… حتى راتبها لا يغير من الواقع شيئاً…




ثم نهضت تتجول في أرجاء البيت و كأنها تريد أن تودع هذه المعالم الحبيبة اليها. و ألقت نظرة على الحديقة و قالت: ليتها تعلم. ليت هذه الأشجار تعلم أنني راحلة. ليت هذه الأحجار تفهم أنني راحلة. ليت هذه الجدران تعرف أنني راحلة و أنني سوف لن أبدو متنقلة بين جوانبها بعد الآن. ليت هذه الأبواب تفهم بأنني راحلة و أن يدي التي كانت أول فاتح لها سوف لن تفتحها بعد اليوم. ليت هذه الروض يتمكن أن يستوعب معنى أنني راحلة. و هذه الأزهار التي غرسَتها يداي في التربة مستهينة بجميع ما كلفني ذلك من غزرات شوك مدمية أو صلابة صخور متحجرة؛ هذه الزهور التي طالما سقيتها من عرق جبيني، إذا انقطع عنها الماء و رويتها من دموع عيني متى ما لاحت عليها علامات الذبول. أمّا الآن، فليتها تعلم بأنني راحلة. هذه الأشجار المثمرة التي استلمتُها صغيرة ضعيفة، فأمدَدتها بما وسعني من عناصر الحياة و الرواء حتى اهتزت و ربت و أنبتت نباتاً حسناً، هذه الأشجار أتراها تفهم بأنني راحلة أو تراها سوف تذكر احتضاني لها أيام زمان حينما كانت لي معها أيام؟ آهٍ ليتها تعلم و ليتها تفهم. ثم هذه المقاعد التي كانت تحتضن رأسي تارة و تسند ساعدي أخرى، أتراها تحس بأنني راحلة عنها عما قريب، أم تراها سوف تستبدل بي غيري و تمهد الجلوس لسواي؟ و منضدتي هذه التي كتبتُ فوقها بالدموع مرة و بالبسمات مرات، أتراها تعلم بأنني راحلة؟ و هل تفتقد رنة قلمي فوقها و موضع أوراقي داخل جرارها؟ آهٍ ليت كل ما حولي يعلم بأنني راحلة… ثم ( ليتني كنت أعلم ) بأنني راحلة. إذن لما عشتُ الحرص على الدنيا، و لما استشعرت الفخر و الغرور ، نعم، ليتني كنتُ أعلم بأنني ضيفة في هذه الدنيا؛ إذن لما خدعتني بخداعها و لما غرتني بزخرفتها. ( ليتني كنت أعلم ). إذن لعرفت أن الرحيل عن حياة بسيطة هو أسهل من الرحيل عن حياة منعمة مترفة. لو لم أكن أعيش هذا الترف لكانت النقلة من هذه الحياة إلى تلك الحياة أسهل بالنسبة إليّ. إن أهلي الآن في الإحتفال… هذه الإحتفالات التي كثيراً ما كنت أنتظرها في المناسبات و أعد من أجلها الفساتين و أفتش بسببها عن أحدث التسريحات، هل أغنت عني شيئاً من طربها و سرورها؟




و هنا تهاوت أنفال على مقعد إلى جوارها و كأنها توصلت إلى حقيقة كانت تجهلها، و قالت:


ماذا آخذ معي؟ و هل آخذ معي شيئاً سوى الأكفان و الأعمال؟ و لكن ما هي الأعمال التي سوف تصحبني خلال هذه الرحلة البعيدة؟ لا شيء ! نعم، لا شيء!


و سرح بها الفكر بعيداً إلى نصائح صديقتها سرّاء عندما كانت تحبب إليها طاعة الله قائلة:


( وتَزَوَّدوا فإنَّ خّيْرَ الزَّادِ التَّقْوى )(سورة البقرة الآية 197). إنها حينئذ لم تكن تشعر بأهمية الزاد؛ أما الآن فهي في حاجة إلى زاد، في حاجة إلى عمل صالح تقدمه بين يديها أمام الله. بماذا تجيب يوم الحساب؟ كيف سوف تطلب الرحمة من ربها وقد عصته في أبسط الاشياء؟ كيف سوف تأمل العفو من خالقها و هي لم تستجب لأمره خلال مسيرتها في الحياة ؟ ليتها كانت قد قرأت القرآن بدل الساقط من الروايات. ليتها كانت قد تعرفت على دينها عن طريق الكتب بدلاً عن طريق التعرف على مسارح هوليود عن طريق المجلات…




و استمرت أنفال تقول ليتني.. ليتني ما أسخطت فلانة و لا اعتديت على فلانة، ليتني ما كذبت على أحد و ما اغتبت أحداً، ليتني ما استكبرت على فقير و لا استعليت على مسكين، ليتني أعيش من جديد لكي أصحح أخطائي و أعمل ما يُرضي ربي. لقد عبدتُ أهوائي و رغباتي، و تجاهلت عبادة ربي. ليتني أعيش إلى فترة، عسى أن أكفر عن سيّئاتي.




و خطرت ببالها آية سمعت جدها يقرؤها يوماً:




( حَتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعونِ * لعلي أعملُ صالحاً فيما تركتُ كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون )(سورة المؤمنون الآيات 99-100)، و كأنها تناجي ربها بذلك… كلا إنها ليست كلمة عابرة! أعني ما أقول، يا رب…




و هنا، و خلال مناجاتها لرب الرحمة، انبجست الدموع من عينيها بحرقة و غزارة؛ و أسندت رأسها إلى يدها و أخذت تبكي. نعم، تبكي. و لكنه بكاء ندم و ليس بكاء ألم. و صممت أن لو أمتد بها العمر فسوف لن تعصي الله طرفة عين.




و رن جرس الهاتف، فقامت إليه متثاقلة، و رفعت السماعة لتقول ( نعم ). و كان صوتها متهدجاً قد غيرته الدموع.




فجاءها صوت يقول:


هل الآنسة أنفال موجودة؟


فعرفت أنفال الصوت. إنه صوت الطبيب!




قالت:


نعم، إنها أنا يا دكتور.




فاندفع يقول في فرحة صادقة: تهنئك السلامة، يا بنتاه. إنه اشتباه! إنك صحيحة سالمة و الحمد لله…




و أذهلتها الكلمات، فلم تعد تعرف بماذا تجيب. و رددت، و كأنها في حلم، قائلة:


سالمة؟ و كيف؟ لعلك تهزأ بي يا دكتور؟




قال : معاذ الله أن أكون هازئاً، و لكنه اعتذار وصلني الآن من المشرف على التحليل يشرح فيه أنه وقع في خطأ، إذ سجل اسمك أمام اسم مريضة أخرى؛ و ها هي نتيجة تحليلك سالمة من كل ما يضير. فاحمدي الله على سلامتك، يا بنتاه…


فرددت أنفال معه كلمات الحمد، قائلة:


الحمد لله. و شكراً لك يا دكتور.


ثم أغلقت الخط و هي تحس بأنها تحيا من جديد. و تذكرت ما عاهدت الله عليه، و عرفت أنها إن نجت من موت معلوم الوقت، فهي لن تنجو من موت مجهول الوقت؛ و أن الإنسان ضيف في هذه الدنيا، مهما طال به الأمد… فكان أول عمل قامت به أنها توجهت إلى القبلة لكي تصلي صلاة المغرب و العشاء، بعد أن بعد بها العهد عن الصلاة. و حين انتهت من أداء الفريضة، عاهدت الله من جديد أن تبقى متمسكة بكل ما أمرها به من صلاة و صيام و حجاب، و أن تترك كل ما نهاها عنه. و لأجل ألا تنسى، فقد خطت هذه الآية المباركة و جعلتها على جدار غرفتها: بسم الله الرحمن الرحيم ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال ربّ ارجعون * لعلّي أعملُ صالحاً فيما تركتُ كلا إنها كلمةٌ هو قائلها ومن ورائهم برزخُ إلى يوم يبعثون ) و وضعت في الجهة المقابلة الحكمة التي تقول: « تب قبل موتك بيوم؛ و لما كنتَ لا تعلم متى تموت، فكن تائباً على الدوام ».







 توقيع : روح انثى

[CENTER]











رد مع اقتباس