إنّ الحمد لله.
أما بعد: بارك الله لنا ولكم في شهر رمضان.. خص هذا الشهر ببركات نسأل الله أن تحل بنا جميعًا فشهر رمضان هو شهر البركة، تضاعف فيه الحسنات، وتتنزل فيه الرحمات، وتُفتح فيه أبواب الجنة.. ومن بركات الشهر ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر سماها الله تبارك وتعالى بليلة مباركة يقول الإمام السعدي " ﴿ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ أي: كثيرة الخير والبركة وهي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فأنزل أفضل الكلام بأفضل الليالي والأيام على أفضل الأنام، بلغة العرب الكرام لينذر به قوما عمتهم الجهالة وغلبت عليهم الشقاوة فيستضيئوا بنوره ويقتبسوا من هداه ويسيروا وراءه فيحصل لهم الخير الدنيوي والخير الأخروي"[35]
• والصيام من الأمور التي تجلب البركة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:" الصِّيَامُ جُنَّةٌ[36]، ومعنى جنّة يقول ابن حجر (رحمه الله): "الْوِقَايَةُ وَالسَّتْرُ مِنَ النَّارِ،...ووقاية لصَاحِبَهُ ممَا يُؤْذِيهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ،...، وجُنَّةٌ أَيْ سُتْرَةٌ يَعْنِي بِحَسَبِ مَشْرُوعِيَّتِهِ فَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَصُونَهُ مِمَّا يُفْسِدُهُ وَيَنْقُصُ ثَوَابَهُ،...و سُتْرَةٌ بِحَسَبِ فَائِدَتِهِ وَهُوَ إِضْعَافُ شَهَوَاتِ النَّفْسِ، وسُتْرَةٌ بِحَسَبِ مَا يَحْصُلُ مِنَ الثَّوَابِ وَتَضْعِيفِ الْحَسَنَاتِ،و سُتْرَةٌ مِنَ الْآثَامِ أَوِ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ،... فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إِذَا كَفَّ نَفْسَهُ عَنِ الشَّهَوَاتِ فِي الدُّنْيَا كَانَ ذَلِكَ سَاتِرًا لَهُ مِنَ النارفي الْآخِرَةِ."[37]
• والسحور من بركات هذا الشهر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" «تسحروا فإن في السحور بركة»[38]
وبركة السحور بينها الإمام النووي(رحمه الله) فقال " وأما البركة التي فيه فظاهرة لأنه يقوي على الصيام وينشط له وتحصل بسببه الرغبة في الازدياد من الصيام لخفة المشقة فيه على المتسحر فهذا هو الصواب المعتمد في معناه وقيل لأنه يتضمن الاستيقاظ والذكر والدعاء في ذلك الوقت الشريف وقت تنزل الرحمة وقبول الدعاء والاستغفار وربما توضأ صاحبه وصلى أو أدام الاستيقاظ للذكر والدعاء والصلاة أو التأهب لها حتى يطلع الفجر"[39]
وتلاوة القرآن من بركات هذا الشهر وغيره من أيام الله فالقرآن كتاب مبارك، قال تعالى:
• قال تعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾[40]
يقول الإمام الفخر الرازي(رحمه الله): " لا شك أن المراد هو القرآن وفائدة وصفه بأنه مبارك أنه ثابت لا يتطرق إليه تحريف كما في الكتب السابقة وأنه كثير الخير والنفع." [41]
فمن قرأه بتدبر حصل على البركة في حياته، كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الذي رواه أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ، أنه سمع رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ،....، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ».[42].
ومن نعم الله علينا أن الله تعالى يبارك لنا في أموالنا إذا أدينا حق الله فيها فالصدقة من أسباب البركة في المال، عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:، قال: "«مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ»" [43]، "فلمّا كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحسّ، وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر قيل لكلّ ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة: هو مُبَارَكٌ، وفيه بركة."[44]
عباد الله هذا وعد من الله أن تتنزل البركة على المتصدق، كما قال تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾[45]. قال الإمام الخازن: " يُرْبِي الصَّدَقاتِ أي يزيدها ويثمرها ويبارك فيها في الدنيا ويضاعف أجرها في الآخرة." [46] وهذا ما رواه أبو هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة، فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله»[47]
عباد الله قال الحسن بن علي رضي عنهما: علمني رسول صلى عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر، - قال ابن جواس: في قنوت الوتر: - «اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت"[48]
عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾[49].