{ ❆اعلانات عشق الليالي ❆ ) ~ | |||||||||
|
|
|||
#1
|
|||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||
ذكرى الدار
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، قيومِ السمواتِ والأرضين، إلهِ الأولينَ والآخِرين، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ مالكُ يومِ الدين، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ - عبادَ اللهِ. ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ... ﴾ [آل عمران: 102]. أيها المؤمنون! الإيمانُ أعظمُ منحةٍ ربانيةٍ يَسعَدُ بها العبدُ في دنياه؛ وذلك بما حواه الإيمانُ من أركانٍ لا تستقيمُ الحياةُ إلا باليقينِ بها، واستحضارِها في تفاصيلِ أحداثِها التي لا تقومُ إلا عليها، ولا تَصلُحُ إلا بها. ومِن الدعائمِ التي لا يُشادُ صرْحُ الإيمانِ إلا بها الإيمانُ بأخبارِ غَيْبِ اليومِ الآخرِ مما وردَ ذكرُه في نصوصِ الوحيِ المعصومِ. إنَّ الإيمانَ باليومِ الآخرِ، واستشعارَ قربِه، والعيشَ باستصحابِ ذكراه في هذه الحياةِ خصيصةُ حظْوةٍ اصطفى اللهُ بها أنبياءَه ومَن سبقتْ له الحسنى، كما قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَار* إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ﴾ [ص: 45، 46]؛ وما التذكيرُ بذلك الاجتباءِ الربانيِّ إلا تنويهٌ بعظيمِ بركتِه على حياةِ العبدِ، وفوزِه برضا اللهِ وجنتِه؛ إذ بذلك الإيمانِ والذكرى يُرزقُ المؤمنُ بصيرةَ التوفيقِ في التعاملِ مع الدنيا وأهلِها؛ صحةً للنظرِ، وحُسْنًا في التقديرِ، وانضباطًا لميزانِ المعاملةِ واطرادِه؛ فلا يُعظِّمُ ما حقَّرَه اللهُ، ولا يُحقِّرُ ما عظَّمَه؛ إذ ميزانُه ربانيٌّ أخرويٌ راسخٌ؛ لا يتأرجحُ مع مصالحِ الدنيا، ويَنْخدعُ ببهرجِها؛ يَزِنُ الدنيا وما حَوَتْهُ بوزنِ جناحِ البعوضةِ الذي هو ميزانُ اللهِ لها، قال البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِثَوْبٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَجَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهِ وَلِينِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا» رواه البخاري، وقال: " إنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ" رواه البخاريُّ ومسلمٌ. عبادَ الله! وذكرُ الآخرةِ خيرُ ضابطٍ وموجِّهٍ لهمّةِ المرءِ واهتماماتِه والتي تنشأُ منها الأعمالُ، وتُبنى عليها المواقفُ، وعليها يكون معوَّلُ القبولِ بمدى ما تحققَ فيها من رَعْيِ شرْطيِ الإخلاصِ والاتباعِ الذي كان الإيمانُ باليومِ الآخرِ أعظمَ حاملٍ عليه، كما قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [البقرة: 264]، وقال: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59]. وذكرُ الآخرةِ بوصلةٌ تهدي لطريقِ الرشدِ، ودافعٌ للتزودِ بخيرِ الزادِ زادِ التقوى، وانتخابِ أعالي خصالِها أجرًا، وسوطٌ يُضربُ به القلبُ الشاردُ؛ وتلكم جادةُ الشرعِ في حَفْزِ النفوسِ للخيرِ وقمْعِها عن الشرِّ؛ إذ كثيرًا ما يُقرنُ الأمرُ والنهيُ بالإيمانِ باليومِ الآخرِ، كما قال تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [النور: 2]، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ "؛ رواه البخاريُّ ومسلمٌ. وبذكرِ الآخرةِ تنفتحُ بصيرةُ القلبِ نحوَ الحقائقِ، وتؤثِّرُ فيه العبرُ؛ وذاك من أسبابِ يقظةِ الشعورِ الضابطِ للهمةِ، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ﴾ [هود: 103]. أيها المسلمون! وباستحضارِ ذكرى الآخرةِ تُزَمُّ الأفعالُ والمواقفُ بلجامِ الضبطِ الربانيِّ واستشعارِ رقابةِ الحفيظِ العليمِ وحسابِه المحصي مثاقيلَ الذَّرِ، وتَرْسُخُ قدمُ الثباتِ على جادةِ الحقِ والصبرِ عليه، ولا تُسْتَفَزُّ باستخفافِ المبْطلين، وتسخو النفسُ بأداءِ الحقوقِ لأهلهِا في اطرادٍ من وازعٍ إيمانيٍّ وسُموٍّ أخلاقيٍّ؛ فلا الغنى يُلْهيها، ولا القدرةُ تطغيها، ولا الشحُّ يمنعُها، ولا الطمعُ يدفعُها، ولا تموجاتُ الظروفِ والمصالحِ تغيّرُ مبادئها وكريمَ أخلاقِها، كما قال تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ﴾ [العلق: 6 - 8]. وطالما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصبِّرُ أصحابَه على مشاقِّ الحياةِ وظلمِ الفجرةِ بذكرى الدارِ الآخرةِ، فقد كان يقول لأصحابِه: " إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى الحَوْض "؛ رواه البخاريُّ ومسلمٌ، وحينما مرَّ بعمارِ بنِ ياسرٍ وأهلِه –رضي اللهُ عنهم- وهم يُعذَّبون، قال: «أبشروا آلَ عمارٍ، وآلَ ياسرٍ؛ فإنَّ موعدَكم الجنةُ»؛ رواه الحاكمُ وقال: صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ، ووافقَه الذهبيُّ. وذكرُ الآخرةِ عاصمٌ من طيشِ التصرفِ بالجرأةِ على ظلمِ العبادِ ببهرجِ القدرةِ؛ فقدْ صَدَّ نسيانُ الآخرةِ آلَ فرعونَ عن سبيلِ الهدى، وحَمَلَهم على الاستكبارِ والطغيانِ، كما قال تعالى: ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 39]، وما علموا أن لتلك المظالمِ كَرَّةً وطالبًا عند اللهِ يومَ الدينِ، قالت فاطمةُ بنتُ عبدِالملكِ زوجُ عمرَ بنِ عبدِالعزيزِ: " دخلتُ يومًا عليه وهو جالسٌ في مصلاه واضعًا خدَّه على يدِه ودموعُه تسيلُ على خديه، فقلتُ: مالَك؟ فقال: ويحكِ يا فاطمةُ، قد وُلِّيتُ من أمرِ هذه الأمةِ ما وُلِّيتُ، فتفكَّرتُ في الفقيرِ الجائعِ، والمريضِ الضائعِ، والعاري المجهودِ، واليتيمِ المكسورِ، والأرملةِ الوحيدةِ، والمظلومِ المقهورِ، والغريبِ والأسيرِ، والشيخِ الكبيرِ، وذي العيالِ الكثيرِ والمالِ القليلِ، وأشباهِهم في أقطارِ الأرضِ وأطرافِ البلادِ، فعلمتُ أنَّ ربي -عزَّ وجلَّ- سيسألُني عنهم يومَ القيامةِ، وأنَّ خصمي دونَهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم، فخشيتُ أن لا يثبتَ لي حجةٌ عند خصومتِه، فرحمتُ نفسي فبكيتُ". وكتبَ إلى بعضِ عمالِه: " إذا دعَتْكَ قدرتُك على الناسِ إلى مظلمةٍ؛ فاذكرْ قدرةَ اللهِ عليك، ونفادَ ما تأتي إليهم، وبقاءَ ما يأتونَ إليك ". الخطبة الثانية الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ. أما بعدُ، فاعلموا أن أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ... أيها المؤمنون! وبذكرِ الآخرةِ تطيبُ الحياةُ، ويهنأُ العيشُ، وتُشْهَرُ الكرامةُ؛ إذ الطمأنينةُ تملأُ القلبَ، وغنى القناعةِ يتربَّعُ عرشَه؛ فلا يبقى فيه سُخْطٌ على مفقودٍ، أو تعلُّقٌ بموجودٍ، أو يُذلُّ بحاجةٍ، فضلًا عن أنْ يَحِلَّ فيه داءُ الحسدِ والتطلعِ إلى ما في يدِ الغَيرِ، أو يُقادَ بخِطامِ التفريطِ بالقيمِ وشراءِ الكرامةِ بُغْيةَ لَعَاعَةٍ من دنيا، قال أبو الدرداءِ – رضي اللهُ عنه-: "مَن أكثر ذِكرَ الموتِ قلَّ حسدُه وبغيُه". وآلامُ جراحِ الدنيا ومصابِها تُضمَّدُ ببلسمِ ذكرِ الآخرةِ، وضيقُ الحالِ يُوَسَّعُ بتلك الذكرى، يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ؛ فَمَا ذَكَرَهُ عَبْدٌ قَطُّ وَهُوَ فِي ضِيقٍ إِلَّا وَسَّعَهُ عَلَيْه"؛ رواه ابنُ حبانَ في صحيحِه وحسَّنَه الألبانيُّ. فذكْرُ الآخرةِ أُفقٌ رَحْبٌ في النظرِ للواقعِ المُرِّ والسلوِّ عنه؛ فلا يبقى المؤمنُ حبيسَ واقعٍ محدودٍ بالفناءِ، كلا، بل نظرُه ممتدٌّ لما وراء ذلك الواقعِ حيث حقيقةُ الحياةِ هناك، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64]، وذاك مما أدركَه عقلاءُ الجاهليةِ بفطرِهم، قال أبو عمروِ بنِ العلاءِ: " كان رجلٌ من العربِ في الجاهليةِ إذا رأى رجلًا يَظلمُ ويعتدي يقول: فلانٌ لا يموتُ سويًّا! فيرونَ ذلك، حتى مات رجلٌ ممن قال ذلك فيه، فقيل له: مات فلانٌ سويًا! فلم يقبلْ حتى تتابعتِ الأخبارُ، فقال: إنْ كنتم صادقين؛ فإنَّ لكم دارًا سوى هذه تُجازونَ فيها. وذكرُ الآخرةِ يُرَكِّزُ الاهتمامَ، ويَجمعُ الشتاتَ، ويرتِّبُ الأولوياتِ، وتُساقُ به الدنيا، ويُبارَكُ عيشُها، ويُيسرُ أمرُها؛ وذاك مِن أسرارِ طيبِها وبركتِها بتلك الذكرى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَة "؛ رواه ابنُ ماجه وصحَّحَه البوصيريُّ. وبعدُ؛ فتلك بعضٌ مِن ثمارِ ادِّكارِ الآخرةِ في الدنيا؛ ضبطًا للنظرِ، والتقديرِ، والهمةِ، والتصرفِ، وهناءِ العيش وبرَكتِه؛ فأصْبِحوا وأمْسُوا وهمُّ الآخرةِ معكم؛ تَطِبْ لكم دنياكم وآخرتُكم.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
10-16-2021, 06:54 AM | #2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
باقات من الورد الجوري لأرواحكم النقية
بارك الله فيكم وأرضاكم واصلوا اتحافنا بكل جديد ومفيد وألأمثل لمنتدانا الغاليٌ
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|