كثيرٌ من همس العشق والغزل في ليلةٍ بين اثنين هما أنا وأنت، قمرٌ ونجمٌ يُشاركاننا حبّاً ووداً دون كلل، وشمسٌ تُهللُ ألا تحيةً على أهل الحب، وتمضين أنت مثل اليوم، وأبقى عبثاً أبحث بين غيم وقمر عن همس منك، وتطل الشّمس فتصمت حزناً على حزني.
هي ليست حّبي الأول، إنها الأخير، إنها الحب الذي يأتي بعد أن يتآكل القلب فيُرمّمه ويعيده فتيّاً، كل النساء قبلها كُنَّ لا شيء، فالحب معها مفهومٌ آخر، ليس كحُبي الأول مُشتعلاً، مليئاً بالرّغبة، فشيءٌ ما فيه يجعلك تشعر بالأمان والامتنان دوماً على عكس ذلك الحبّ الذي تحاول جاهداً أن تسترق لحظات منه تجمعك مع عشيقتك على عتبات حياة قاسية، باحثاً عن باب يُفتح ليتلقّفكما سويّة في ظلام عشق، مآله دوماً إلى الانفصال. كل انسان يبحث عن الحب، الطّفل يبحث عن الحنان، والمراهق يبحث عن الزّمالة، والبالغ يبحث عن الزّوجة، والعجوز يبحث عن المُمرضة، وكلّها أنواع من الحب، إذ لا يمكن الاستغناء عن الحب أبداً.
الرّجل يُحبّ امرأة، وينتحر من أجلها، ويقتل، ويختلس، ويرتشي، ويركتب جريمة، ويظنّ أن هذا هو مُنتهى الحب، وهو لم يدرك بعد أن الحب هو أن يُحبّ الكل، أن ينظر إلى كل طفل على أنه ابنه، وكل كهل على أنه أبوه، وأن يكون حبّه لامرأته سبباً يُحِب من أجلهِ العالم كله ويأخذه بالحضن.
إني خيّرتك فاختاري ما بين الموت على صدري أو فوق دفاتر أشعاري، اختاري الحب أو اللاحب فجبنٌ ألا تختاري، لا توجد منطقةٌ وسطى ما بين الجنة والنار، إرمي أوراقك كاملةً وسأرضى عن أي قرار، قولي، انفعلي، انفجري، لا تقفي مثل المِسمار، لا يمكن أن أبقى أبداً كالقشّة تحت الأمطار، اختاري قدراً بين اثنين وما أعنفها أقداري، مرهقةٌ أنت وخائفةٌ وطويلٌ جدّاً مشواري، غوصي في البحر أو ابتعدي لا بحرٌ من غير دوار، الحب مواجهةٌ كبرى، إبحارٌ ضد التيار، صلبٌ وعذابٌ ودموعٌ ورحيلٌ بين الأقمار، يقتلني جبنك يا امرأةً تتسلّى من خلف ستار، إني لا أؤمن في حبٍ لا يحمل نَزَق الثوار، لا يكسر كل الأسوار، لا يضرب مثل الإعصار، آهٍ لو حبك يبلعني يقلعني مثل الإعصار، إني خيرتك فاختاري ما بين الموت على صدري أو فوق دفاتر أشعاري، لا توجد منطقةٌ وسطى ما بين الجنة والنار.
علمني حبكِ أن أتصرّف كالصبيان، أن أرسم وجهك بالطّبشور على الحيطان، وعلى أشرعة الصّيادينَ، على الأجراس، على الصّلبان، علمني حبكِ كيف الحبُّ يُغيّر خارطة الأزمان، علّمني أني حين أحبُّ تكفّ الأرض عن الدّوران.
أحلم .. نعم أحلم بمكان لا تحكمه قوانين بل يسيره الحب .. مكان يُمكنني أن أقول أحبك دون التفكير في هل وصلت كما هي أم أنّها تحورت كما يريدها سامعها؟ مكان تكون البسمة شمسه .