الاديبه اريام

اريام فتاة تعشق الكتابة وتحاول ان تنشر روايتها الأولى ليقرأ الجميع مبادئها الجميلة التي تؤمنُ بها..تحاول دوما وتحـاول دون نتيجة ، فمعظم مؤسسات النشر ترفض كتبها لإنها ليست بالمستوى ولا ترقى حتى إلى النصف.. كانت والدتها والتي لا تعرفُ القراءة والكتابة تشجعها دوماً لكي لا تتراجع عن تحقيق حلمها ، رغم ذلك الا أن اريــام لم تكن تاخذ والدتها على محمل الجد فيما يخص الأدب فهي بسيطة أمـية ليس لها في هذا المجال مطلقاً ،

تمر الأيام وتنقضي الشهور وأريام تتقدم بالسن ولا أمــل يلوح في الأفق ، مما جعلها غاضبة طوال الوقت.. فالحلم كل يوم يبتعد أكثر حتى اصبح لا يرى.. وذات يــوم سألتها والدتها عن ذلك وهل استطاعة ان تنشر كتابها ..فغضبت منها أريام وقالت لها بعصيبة :
- أمي ..ارجوكِ ، لاتسألِ عن شيء لا تعرفينه ..حسناً ،
- فلو علمتِ مثلاً ..ماذا ستفعلين ، فأنتِ حتى لا تعرفين القراءة ،
- وتريدين ان تسألِ عن مجال لا تستطيعين ان تنطقِ اسمه مرتين ،
- يا إلهي يا أمي ..لا تسألين مرة اخرى عن هذا الأمــر!

رغم اسلوبها القاسي جداً ..الا ان والدتها كانت تعذرها وتتعاطف معها أكثر لإنها تعرف حلم ابنتها منذ الصغر ..تدعو لها تتمنى لها التوفيق ، ذات يــوم اتصلت احد مؤسسات النشرِ بإريــام يريدون مقابلتها لإعطاء قرارهم الأخير حول روايتها التي ارسلتها، كان شعور الفرح طاغي على الأمِ قبل ابنتها..أخيراً سيتحقق الحلم، تنتظر اليوم الموعود على احر من الجمر ،

وفي يوم المقابلة أرادت والدتها الذهاب معها ، الا ان اريام رفضت بشدة ، فقالت لها والدتها:
- بالطبعِ .. لا اقصد بأنني سأدخل معك،
- بل سأجلس في السيارة،
- لكي نحتفل معاً..

ترددت أريام في ذلك الا انها وافقت نهاية الأمــر ، وبالفعل خرجوا من البيت إلى أن وصلوا، ودخلت اريام على الناشر والذي كان ينتظرها.. وبعد سلامٌ متبادل بينهما ، قال لها:
- قكرة الرواية جيدة ، ولكنها دون المستوى ..وضعيفة جداً واسلوبها ركيك للغاية لقد قتلتِ الفكرة بكتابكِ ..فهي تحتاج الكثير لكي تصبح جاهزة للنشر ،

ظلوا يعلمونها الاخطاء وماذا تحتاج للتعديل وإعادة صياغتها ..بينما والدتها تتصل وتتصــل دون جواب ، فأريام تأخرت عليها وبدأت تنشغل عليها ، وبينما الناشر يشرح لإريام إذ به يسمع كلامً في الخارج وبعض الضوضاء ، وبعد برهة دخلت أم أريـــام عليهم المكتب، مما تسبب لإريام بحرجً شديد ..تتمنى لو الأرض تنشق وتبتلعها،

راحت تعرف عن نفسها وبإنها أم أريــام ..فرحبوا بها واخذت تتبادل اطراف الحديث ببساطتها مع الناشر ونائبه ، واريــام محتنقة غاضبة منها ..مما لفت نظر الناشر الذي استشعر غضب اريام على والدتها ،فسألها:
- هل هناك ما يغصبكِ يا أريام؟

قالت:
- لا ..مطلقاً ،

الا أن الأم قاطعتهم وسألت الناشر :
- ما رايكم في كتابها،
- هل اعجبكم..!

أريام راحت تغطي وجهها بعد ذاك السؤال خجــلً، فأجابها الناشر :
- في الحقيقة أريام تحتاج للكثير لكي تصبح جاهزة للنشر،

الأم :
- لماذا..!

الناشر:
- الصياغة وطريقة الكتابة والمواضيع التي تتكلم عنها ليست جيدة،
- وأيضاً بعيدة عن الواقعية

الأم :
- وما هي تلك المواضيع،

الناشر:
- تعرفين الفتيات واهتماماتهن ..
- الحب والعشق والوفاء وهذه الأمور التي باتت مكررة،

الأم تبسمت وقالت:
- تلك ابنتي ، فلا تلمها...
هي فتاةٌ رقيقة منذ الصغر ..حينما انجبتها كان ذلك شيئاً لا تعبير له ..شيئاً لا يوصف ..شيئاً جميــلً لا يعرف قيمته احد ..شيئاً لن يتكرر ..شعوراً لم أجربه قط ..شعوراً متفجر بالفرح ..فخــراً لكل أحد ..كنت سعيدة خارج الوصف ..صوتها المزعج لحن ..ضحكاتها تهز القلب طرب ..تحفة نادرة لا يمتلكها عداي..تحفة فنية قيمة..فيلمٌ مخلد اتابعه ..فــنً لم يسجل بعد ..أدبٌ لا يكتبه قلم ..لغــزٌ لا يحــل ..جواباً لكل الاسئلة..نــورا في العتمة.. لعبة لا تمــل ..سطوراً سهلة ..خطوطٌ مرتبة ..احببتها وليدة..طفلة سعيدة ..ولدتها قصيدة ..صغيرة نشيدة .. خطواتها سديدة ..افراحها عديدة ..ايامها مديدة ..مشاعرها جديدة ..كل احاسيسي لــها ..كلها ..مشاعري نحوها لا تنحرف .. ربحٌ لا تعرف الخسارةِ مطلقاً ..صرحا من صروح الخيال .. كل الصروح هوت امامه ..هندسةٌ معمارية مشيدة ..أملٌ لا يفتقد ..حلمٌ لا ينسى ..واقعٌ تحقق ..خيالٌ خصب ..قصة كل تفاصيلها ممتعة ..حكاية عن ألف حكاية ..رواية لم يؤلفها أديبٌ من قبل.. كتابٌ لم يقرأه بشر ..علمٌ يفيدك طوال العمر.. ناجحة لا تخسر أبداً ..فائزة ينهزم أمامها الوحش.. الأولى في كل الخطوط ..مبدعة لا يجاريها أحد.. اديبة بكل الأدب ..ادبٌ تعشقه بجنون ..عنوانً للصمود ..لا تفر من مواجهة ..قوية لا تنكسر ..تلك اريــام ايها الناشر.. ابنتي البارعة أريــــام،

الناشر الذي كان مندمجاً مع الأم في توصيف ابنتها، منغمسا وكأنه يرى كلماتها أمامه ..قام بالتصفيق دون أن يدري ، وقال :
- يـا ألـهي ..
- ايتها الأم ..يا إلهي
- انكِ حقاً بارعة ،
- من أين لكِ كل هذا،
- تباً ..ذلك اصدق كلامً سمعته..
- لقد اقشعر بدني من هذا الوصف،
- انظــري..اقشعر بدني،
- هذا عميقٌ للغاية..
- يهز الوجدان من الداخل،
- يجعلك مجبراً أن تتأثر!
- حتى أبرع الادباء يصعب عليهم أن يكتبون بهذا الدقةِ والتوصيف!

اريام التي لا تصدق ما يحدث امامها وماتسمعه ، عند ذاك قال الناشرَِ للأم :
- اسمعي أيتها الأم،
- هل تريديني أن انشر رواية ابنتك..!

الأم قالت:
- بالطبع،

الناشر:
- بشرط واحد..
- اذا وافقتي عليه ..فها هي الأوراق أمامي ..وسأوقع على كتابها بالمبلغ التي تريدين!
- ماذا قلتِ..!

الأم اجابته:
- سأفعل ماتريد!

الناشر:
- الكلام الذي قلتيهِ قبل قليل ومشاعرك حينما ولدت أريام إلى ان كبرت،
- ذلك الوصف الأدبي البليغ البارع،
- اريدك ان تكتبيه في رواية كاملة وبكل التفاصيل من ألِفُهــا إلى يـاءُهــا..!
- ماذا قلتِ!

الأم اجابته:
- لكنني لا اعرف الكتابة،

ابتسم الناشر وقال:
- هذا أمــراً سهل،
- والحل بسيط جداً..
- اريام ستكتبها..

الأم سألته:
- كيف ذلك؟
- لم افهم ماذا تقصد!

الناشر:
- اقصد انتِ تتكلمين واريــام هي من ستكتبها ..!
- وهذا شيءٌ سهــل،
- ولا اظنها ستعترض؟
- اليس كذلك يا اريام!

اريام قالت وهي في دهشتها من كل الموقف:
- نعم ..لن اعترض،
- يسعدني ذلك،

بعد شهر سلمت الأم روايتها للناشر .. وتم نشر الروايتين معــاً ..رواية اريام ..ورواية الأم عن أريام ..كما اتفق معهما ، حققت رواية الأم نجاحــاً منقطع النظير على كافة الصعد مالياً وجماهيرياً واعلامياً وتم ترجمتها عالمياً إلى 7 لغات ، بينما رواية اريــام فشلت فشلً ذريعاً وتم سحبها من المكتبات،


(انسان بسيط..)

روح انثى ,أميرة الشموخ ,عاشقة ليالي معجبون بهذا