نشيده التلبية والتهليل «عرفة».. يوم الحج الأكبر

فى مشهد تخشع له القلوب؛ يقف اليوم حجاج البيت الحرام على جبل «عرفات»، حيث يؤدون الركن الأعظم للحج، شُعثا غُبرا ضاحين، قد أتوا من كل فج عميق، يرجون رحمة ربهم، ويخشون عذابه، ففيه تُسكب العبرات، وتُمحى السيئات، ويعتق الله رقاب العباد من النار، ويغفر لهم الذنوب جميعًا. أما جبل «عرفات» فمن أعظم الأماكن المحببة إلى الله، وفى الوقوف به شبه بيوم القيامة، كما يقول عدد من علماء الدين، مؤكدين أنه فى يوم «عرفات» تصفو الأفئدة، وترقى الأنفس، وتقبل على الله، بالعبادة والدعاء, أملًا فى مغفرته، ورحمته.

الدكتور سيف رجب قزامل، أستاذ الفقه المقارن، عميد كلية الشريعة والقانون بطنطا سابقا، يقول: إن الله تعالى فضل بعض الأيام على بعض، ومما فضله الله، العشر الأوائل من ذى الحجة، إذ قال رسول الله، عليه الصلاة والسلام: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من أيام العشر من ذى الحجة، قالوا: ولا الجهاد فى سبيل الله يا رسول الله، قال ولا الجهاد فى سبيل الله إلا رجلاً خرج بماله ونفسه فلم يرجع من ذلك بشىء».

ويؤكد أن هذا يدل على أن أيام هذه المناسك أفضل عند الله من غيرها، لأن الحجاج تركوا مالهم وديارهم وأولادهم وأهلهم وهُرعوا إلى بيت الله طائعين للتلبية، والاستجابة لطاعة الله وكلامه، إذ قال تعالى: «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا"، وقد لبوا نداء الله، وأقبلوا على بيته تعظيما وتكريما ومهاباً وبرا، ليطوفوا ببيت الله العتيق، امتثالا لقوله تعالى: «ذلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ».

ويصف يوم «عرفات» بأنه يوم التوحيد الخالص لله، والمساواة بين الناس جميعا، وبأنه يوم التكريم للبشر بتقواهم لا بأنسابهم ولا مالهم ولا ملكهم، قائلا: فى هذا اليوم يباهى الله تعالى ملائكته بالحجيج، لأنهم جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمته، ويخشون عذابه، وفى نهايته يقول الله للملائكة: «أشهدكم يا ملائكتى أننى قد غفرت لهم».

ويوضح أن على الحاج فى هذا اليوم، أن يجتهد فى الطاعة، لأنها فرصة قد لا يدركها مرة أخرى، فيعرض شكواه على الله فى ساحة عرفات، ويكثر من الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى، والإلحاح فى طلب الغفران، ويسأل الله حُسن الخاتمة حتى يكون ممن يباهى الله بهم الملائكة.

تعويض للتقصير

ويدعونا د. قزامل إلى أن نستغل هذا اليوم استغلالا حسنا، لإكرام الله لنا فيه ببركته، وامتنانه علينا بالمغفرة والرحمة، فيعوض هذا اليوم قصر أعمالنا الصالحة، ومن فضل الله تعالى أن يأتينا بهذه المواسم لتعوض التقصير فى الطاعات، فتمحو ذنوبنا، وتأخذ بأيدينا إلى الخير، وتكفر عنا سيئاتنا، وترقى بنفوسنا إلى الأفضل.

ويتابع: «من لم يُكتب له الحج هذا العام، عليه بصيام ذلك اليوم»، إذ قال رسول صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التى قبله والسنة التى بعده».(رواه مسلم)، فيستشعر ويعايش هذا الموقف مع من سبقوه للحج، مع مراجعة نفسه، ولا يترك فرصة يُتاح له فيها الحج إلا يدعو الله أن يمنحه إياها، صادقًا مع نفسه.. إن استطاع إليه سبيلا.

تحياتى وتقديرى للجميع

الدكتور علـــى