{ ❆اعلانات عشق الليالي ❆ ) ~ | |||||||||
|
|
|||
#1
|
|||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||
الفوائد البيداغوجية في الأحاديث النبوية حديث الأمانة
بسم الله الرحمن الرحيم،
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه، وبعد: فإنَّ الحديث النبويَّ الشريف زاخرٌ وغنيٌّ بالأساليب التربويَّة التي يمكن الاستفادة منها، واستنباط ما تتضمَّنه من إشاراتٍ وفوائدَ بيداغوجية، يمكن الاسترشاد بها في العمليَّة التعليمية التعلُّمية، كيف لا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم هو المعلِّم الأوَّل والمربِّي الأوَّل؟ وسأحاول في هذه الأسطر أنْ أستنبط بعضًا من هذه الفوائد التي تضمَّنها حديث الأمانة الوارد في صحيح الإمام البخاريِّ رحمه الله. الحديث: أخرَج الإمام البخاريُّ في صحيحه، كتاب العلم، باب: مَن سُئِل علمًا وهو مشتغل في حديثه، فأتمَّ الحديث ثم أجاب السائل: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يحدِّث القومَ، جاءه أعرابيٌّ فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدِّث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فَكَرِه ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه، قال: ((أين - أُراهُ - السائل عن الساعة؟))، قال: هأنا يا رسول الله، قال: ((فإذا ضُيِّعَت الأمانة، فانتظر الساعة))، قال: وكيف إضاعتها؟ قال: ((إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة)). شرح الحديث: الحديث يتضمَّن قصةَ أعرابيٍّ دخل مجلس رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فوجده مشتغلًا بموضوعٍ ما، فسَأَلَه سؤالًا خارجَ سياق ذلك الموضوع، فواصَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حديثَه، ولم يلتفت إلى الأعرابيِّ، هنا تساءَلَ بعضُ الصحابة عن سبب إعراضِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن سؤاله، فقال بعضهم: سمع ما قال فَكَرِه ما قال، وقال البعض الآخر: بل لم يسمع، والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم سمع سؤال السائل؛ لكنه أَخَّر الإجابة إلى أنْ يُنْهي الموضوع الذي كان بصدده، والدليل على ذلك أنه أجابه لمَّا فَرَغَ مِن حديثه. فهذا الحديث يحمل عدَّة فوائد بيداغوجية يمكن استنباطها، ومنها: الفائدة الأولى: كراهة قطع حديث المعلِّم: لا شك أنَّ المعلِّم الذي يحترم مسؤوليته له أهداف ومقاصدُ من وراء درسه؛ مقاصدُ جزئية ومقاصد عامة، ومقاصدُ أصلية وأخرى تَبَعِيَّة، بل له مقاصد من كلِّ لفظ وكلمة، ولتحقيقها لا بد من منهجية مضبوطة، يسهل معها استيعابُ المتعلِّمين وإمساكهم بخيوط الدرس، وورودُ الدواخل على هذه الخطة وهذه المنهجية؛ مِن توقيفٍ للدرس، وقطعٍ لكلام المعلِّم - يشوِّش على المتعلِّمين وعلى السير العاديِّ للدرس، وقد يفوِّت مقاصدَه؛ لهذه الأسباب كان قطع كلام المعلِّم مذمومًا. الفائدة الثانية: كراهة سؤال المعلم عن شيء خارجٍ عن الدرس: الاشتغال بأسئلة المتعلمين الخارجة عن سياق الدرس يُفقِد الدرسَ رُوحَه، ويُفقِد المعلِّم منهجه، ويشتِّت أذهان المتعلِّمين، وتُهمَل معه خيوط الدرس فلا يحقِّق مقاصده؛ لذلك وَجَب التعامل مع هذا النوع من الأسئلة بذكاء، وعدم الانسياق معها، كما أنَّ على المعلم أنْ يدرِّب تلاميذَه منذ الحصص الأولى على التركيز في الدرس وإلغاء ما دونه. الفائدة الثالثة: الإعراض عن المشوِّشات: كل ما لا يخدُم الدرس، ولا يعالج جانبًا من جوانبه، أو قضيةً من قضاياه، فهو عنصر مشوِّش دخيل وجب استبعاده، مَهمَا بَدَا مُهمًّا في حدِّ ذاته؛ لأنَّ المقياس في حصة الدرس هو مدى خدمة المعلومة المقدَّمة لمَحاوِرِ الدرس وأهدافه، وليس شيئًا آخر، وأفضل طريقةٍ للتعامل مع المعلومة الدخيلة، أو السؤال المشوش، هي الإعراض، وهذا هو الأسلوب الذي اعتمده النبيُّ صلى الله عليه وسلم مع الأعرابيِّ، فلا هو أجابه، ولا هو التفت إليه، ولا قال له - مثلًا -: لا تقاطعني، أو أمهلني حتى أنهي كلامي، بل تعامَلَ مع سؤاله كأنه لم يسمعه؛ لذلك ظنَّ بعضُ الصحابة أنه فعلًا لم يسمعه، فلو أنه صوَّب نظره إليه لعَلِموا أنه سمعه، لكنه لم يفعل أيَّ شيءٍ من هذا كلِّه؛ لأنَّ السياق التعليميَّ يقتضي قمةَ التركيز ليحصل الإفهام، والتركيز يقتضي الحصر والإلغاء. الفائدة الرابعة: الإعراض عن السائل تعليمًا له وتأديبًا: ليس التأديب ضربًا مبرِّحًا، ولا تقريعًا جارحًا، بل إنَّ له أساليبَ كثيرةً، منها الإعراض، ولا شك أنَّ السائل حال إعراضك عن سؤاله يُحسُّ تلقائيًّا أنه ارتكب خطأً ما، وسرعان ما يهتدي إلى هذا الخطأ فيعالجه. أمَّا في الحديث الذي بين أيدينا، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما عاد - بعد إتمام حديثه - وأجاب السائل، سهل على الجميع إدراك سبب الإعراض في البداية، الذي هو قطع الكلام. الفائدة الخامسة: تقديم ما شأنه التقديم، وتأخير ما شأنه التأخير: وما شأنه التقديم في هذه الحالة هو الدرس؛ كي لا تنفرط خيوطه، وما شأنه التأخير هو سؤال السائل خارج سياق الدرس، مع الإشارة إلى أنَّ مسألةَ الإجابة عن أسئلة المتعلِّمين البعيدة عن الدرس ليس شيئًا إلزاميًّا في آخر الحصة؛ إذ إنَّ هذه الفترةَ تُخصَّص للتقويم الإجماليِّ، ولأسئلة الإعداد المنزليِّ، إلا أنه من المستحبِّ للمعلِّم أنْ يمرَّ عليها مرور الكرام؛ جبرًا لخواطرهم. الفائدة السادسة: إذا كان سؤال المتعلِّم فضفاضًا، أو لا ينبني عليه عمل، فإنَّ جواب المعلِّم ينبغي أن يكون موجهًا للعمل: يشترط في السؤال أن يكون مما ينبني عليه عمل، وتدرك من وراء إجابته منفعةٌ؛ فإنَّ أسئلةً مِن قبيل: ما اسم الكلب الذي كان مع أصحاب الكهف؟ أو ما نوعه؟ أو ما لونه؟ أو كم عدد الحيوانات التي حملها معه سيدنا نوحٌ في السفينة؟ أو كم عدد النمل الذي مرَّ عليه موكب سيدنا سليمان؟ هي أسئلة من التَّرَف المعرفيِّ لا ينبني عليها عمل، لكن إذا حدَث وصدر مِن أحد المتعلِّمين سؤال من هذا النوع، فينبغي أن يكون جواب المعلم موجهًا للعمل، وهذا هو الأسلوب الذي اعتمده النبيُّ صلى الله عليه وسلم مع الأعرابيِّ، فإن هذا الأخير سأله عن وقت قيام الساعة، وهو سؤال لا فائدة من معرفة جوابه، فوجَّهه النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى العمل، وهو ضرورة المحافظة على الأمانة، وعدم تضييعها، وعدم إعطاء المسؤوليات لمن لا يستحقُّها، والضرب على يد كلِّ مَن يتلاعب بالأمانات، ويفرِّط في المسؤوليات؛ لأنه يهدِّد الكون كلَّه بالزوال. الفائدة السابعة: للمتعلِّم الحقُّ في الاستفسار عن شيء لم يفهمه من جواب المعلم: وهذا يستفاد من قول الأعرابيِّ: وكيف إضاعتها؟ فكان الشرح مفهِمًا مبيِّنًا مفيدًا للسائل، ولمن معه في المجلس، ولكلِّ الأُمَّة إلى يومنا هذا وإلى قيام الساعة. خاتمة: هذه بعض الفوائد البيداغوجية التي اهتديتُ إلى استنباطها من هذا الحديث النبويِّ الشريف، فهي فوائدُ سبعٌ، من شأنها المساهمة - إنْ أُحسِنَ فهمُها وتنزيلها - في تحسين جودة التعليم، والرُّقيِّ بالعَلاقة بين المعلِّم والمتعلِّم. والحمد لله ربِّ العالمين محمد الفناني
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
02-09-2023, 09:42 PM | #2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|