عرض مشاركة واحدة
قديم 07-11-2022, 01:49 AM   #5



 عضويتي » 7
 جيت فيذا » Apr 2020
 آخر حضور » 07-11-2022 (02:34 AM)
آبدآعاتي » 229
الاعجابات المتلقاة » 132
الاعجابات المُرسلة » 286
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه
جنسي  »
آلقسم آلمفضل  »
آلعمر  »
الحآلة آلآجتمآعية  »
 التقييم » طيبة is on a distinguished road
نظآم آلتشغيل  »
مشروبك  »مشروبك
قناتك  » قناتك
ناديك  » اشجع
مَزآجِي  »

اصدار الفوتوشوب : My Camera:

طيبة غير متواجد حالياً

افتراضي



تابع سورة الكهف - تفسير السعدي




" واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا "

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: اضرب للناس مثل هذين الرجلين الشاكر لنعمة الله, والكافر لها, وما صدر من كل منهما, من الأقوال والأفعال, وما حصل بسبب ذلك, من العقاب العاجل, والآجل, والثواب ليعتبروا بحالهما, ويتعظوا بما حصل عليهما, وليس معرفة أعيان الرجلين, وفي أي زمان أو مكان هما, فيه فائدة أو نتيجة.
فالنتيجة تحصل من قصتهما فقط, والتعرض لما سوى ذلك, من التكلف.
فأحد هذين الرجلين الكافر لنعمة الله الجليلة, جعل الله له جنتين أي: بستانين حسنين, من أعناب.
" وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ " أي: في هاتين الجنتين من كل الثمرات, وخصوصا أشرف الأشجار, العنب, والنخل.
فالعنب, وسطها, والنخل, قد حف بذلك, ودار به, فحصل فيه من حسن المنظر وبهائه, وبروز الشجر والنخل للشمس والرياح, التي تكمل لها الثمار, وتنضج وتتجوهر.
ومع ذلك, جعل بين تلك الأشجار زرعا.
فلم يبق عليهما إلا أن يقال: كيف ثمار هاتين الجنتين؟ وهل لهما ماء يكفيهما؟ فأخبر تعالى أن كلا من الجنتين آتت أكلها أي: ثمرها وزرعها ضعفين أي: متضاعفا وأنها لم " تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا " أي: لم تنقص من أكلها أدنى شيء.
ومع ذلك, فالأنهار في جوانبها سارحة, كثيرة غزيرة.
" وَكَانَ لَهُ " أي لذلك الرجل " ثَمَرٌ " أي عظيم كما يفيده التنكير أي: قد استكملت جنتاه ثمارهما, وارجحنت أشجارهما, ولم تعرض لهما آفة أو نقص.
فهذا غاية منتهى زينة الدنيا في الحرث, ولهذا اغتر هذا الرجل, وتبجح وافتخر, ونسي آخرته.

" وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا "

أي: فقال صاحب الجنتين لصاحبه المؤمن, وهما يتحاوران, أي يتراجعان الكلام بينهما في بعض المجريات المعتادة, مفتخرا عليه: " أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا " فخر بكثرة ماله, وعزة أنصاره, من عبيد, وخدم, وأقارب, وهذا جهل منه.
وإلا فأي افتخار بأمر خارجي ليس فيه فضيلة نفسية, ولا صفة معنوية.
وإنما هو بمنزله فخر الصبي بالأماني, التي لا حقائق تحتها.
ثم لم يكفه هذا الأفتخار على صاحبه, حتى يحكم, بجهله وظلمه, وظن لما دخل جنته.
ف " قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ " أي: تنقطع وتضمحل " هَذِهِ أَبَدًا " .
فاطمأن إلى هذه الدنيا, ورضى بها, وأنكر البعث, فقال: " وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي " على ضرب المثل " لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا " أي ليعطيني خيرا من هاتين الجنتين, وهذا لا يخلو من أمرين.
إما أن يكون عالما بحقيقة الحال, فيكون كلامه هذا على وجه التهكم والاستهزاء فيكون زيادة كفر إلى كفره.
وإما أن يكون هذا ظنه في الحقيقة, فيكون من أجهل الناس, وأبخسهم حظا من العقل.
فأي تلازم بين عطاء الدنيا, وعطاء الآخرة, حتى يظن بجهله, أن من أعطى في الدنيا, أعطى في الآخرة.
بل الغالب, أن الله تعالى يزوي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه, ويوسعها على أعدائه, الذين ليس لهم في الآخرة نصيب.
والظاهر أنه يعلم حقيقة الحال, ولكنه قال هذا الكلام, على وجه التهكم والاستهزاء, بدليل قوله: " وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ " .
فإثبات أن وصفه الظلم, في حال دخوله, الذي جرى منه, من القول ما جرى, يدل على تمرده وعناده.

" قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا "

أي: قال له صاحبه المؤمن - ناصحا له, ومذكرا له حاله الأولى, التي أوجده الله فيها في الدنيا " مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا " .
فهو الذي أنعم عليك بنعمة الإيجاد والإمداد, وواصل عليك النعم, ونقلك من طور إلى طور, حتى سواك رجلا, كامل الأعضاء والجوارح المحسوسة, والمعقولة.
وبذلك يسر لك الأسباب, وهيأ لك ما هيأ, من نعم الدنيا.
فلم تحصل لك الدنيا, بحولك وقوتك, بل بفضل الله تعالى عليك.
فكيف يليق بك أن تكفر بالله الذي خلقك من تراب, ثم من نطفة ثم سواك رجلا, وتجهل نعمته, وتزعم أنه لا يبعثك, وإن بعثك أنه يعطيك خيرا من جنتك, هذا مما لا ينبغي ولا يليق.
ولهذا لما رأى صاحبه المؤمن, حاله واستمراره على كفره وطغيانه, قال - مخبرا عن نفسه, على وجه الشكر لربه, والإعلان بدينه, عند ورود المجادلات والشبه: " لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا " .
فأقر بربوبية ربه, وانفراده فيها, والتزام طاعته وعبادته, وأنه لا يشرك به أحدا من المخلوقين.
ثم أخبر أن نعمة الله عليه, بالإيمان والإسلام, ولو مع قلة ماله وولده أنها, هي النعمة الحقيقية, وأن ما عداها, معرض للزوال والعقوبة عليه والنكال, فقال: " إِنْ تَرَنِي أَنَا أَقَلَّ " إلى " وَخَيْرٌ عُقْبًا " .

" فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا "

أي: قال للكافر صاحبه المؤمن: أنت - وإن فخرت علي بكثرة مالك وولدك, ورأيتني أقل منك مالا وولدا - فإن ما عند الله, خير وأبقى.
وما يرجى من خيره وإحسانه, أفضل من جميع الدنيا, التي يتنافس فيها المتنافسون.
" فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا " أي: على جنتك التي طغيت بها وغرتك " حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ " أي: عذابا, بمطر عظيم أو غيره.
" فَتُصْبِحَ " بسبب ذلك " صَعِيدًا زَلَقًا " أي: قد اقتلعت أشجارها, وتلفت ثمارها, وغرق ذرعها, وزال نفعها.
" أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا " الذي مادتها منه " غَوْرًا " أي: غائرا في الأرض " فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا " أي: غائرا لا يستطاع الوصول إليه, بالمعاول ولا بغيرها.
وإنما دعا على جنته المؤمن, غضبا لربه, لكونها غرته وأطغته, واطمأن إليها, لعله ينيب, ويراجع رشده, ويتبصر في أمره.

" وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا "

فاستجاب الله دعاه " وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ " أي: أصابه عذاب, أحاط به, واستهلكه, فلم يبق منه شيء.
والإحاطة بالثمر, يستلزم تلف جميع أشجاره, وثماره, وزرعه.
فندم كل الندامة, واشتد لذلك أسفه, " فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا " أي على كثرة نفقاته الدنيوية عليها, حيث اضمحلت وتلاشت, فلم يبق لها عوض, وندم أيضا على شركه, وشره, ولهذا قال: " وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا " .

" ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا "

قال الله تعالى: " وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا " .
أي: لما نزل العذاب بجنته, ذهب عنه ما كان يفتخر به من قوله لصاحبه: " أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا " فلم يدفعوا عنه من العذاب شيئا, أشد ما كان إليهم حاجة, وما كان بنفس منتصرا.
وكيف ينتصر, أو يكون له انتصارا, على قضاء الله وقدره, الذي إذا أمضاه وقدره, لو اجتمع أهل السماء والأرض على إزالة شيء منه, لم يقدروا؟!! ولا يستبعد من رحمة الله ولطفه, أن صاحب هذه الجنة, التي أحيط بها, تحسنت حاله, ورزقه الله الإنابة إليه, وراجع رشده, وذهب تمرده وطغيانه, بدليل أنه أظهر الندم على شركه بربه, وأن الله أذهب عنه ما يطغيه, وعاقبه في الدنيا, وإذا أراد الله بعبد خيرا عجل له العقوبة في الدنيا.
وفضل الله لا تحيط به الأوهام والعقول, ولا ينكره إلا ظالم جهول.


يتبع...



 توقيع : طيبة

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس