• مُتْعتُك فيها بسلامتِها وقيامها بوظائفها ،
متعةُ السمع والمعرفة
ومتعةُ البصر والابتهاج ، والاطلاع والدراية..!
ولذلكَ كان تعطلُهما سببا في الحرمان،
وفقدانِ أجلِّ الحواس ..!
• وهما آلتانِ للعلم والفهم والاستبصار في هذه الحياة ..
( وجعل لكمُ السمعَ والأبصار والأفئدة قليلًا ما تشكرون )
سورة القلم .
• ومن المتعةِ بها تصريفُها في العلم والقراءة ،
واستخلاص عوائد ذلك ومخارجه
بحيث يرتقي الإيمان ، ويتسعُ الفكر، وتعظمُ الأذكار ،
وتزداد السعادة والانشراح.
وفِي ذلك إيناسٌ لك ولها ، وتوظيفٌ لك ولدورها ،
وجعلها طرائقَ صالحةً للتزود والانتفاع .
• ومن الخيبةِ ، العيشُ بها في الدنيا بلا اتعاظ وانتفاع،
وتطبيعُها على سالف
الناس ودروبهم . فلا تُنتج خيرا، أو تُنمّي فكرة،
أو تصنعُ حكمة...!
• قال في التحفة :" ( ومتّعنا) من التمتيع :
أي اجعلنا مُتمتعين ومنتفعين
( بأسماعنـا وأبصارنا وقوتنا)
أي بأن نستعملَها في طاعتك .
قال ابن الملك : التمتعُ بالسمع والبصر
إبقاؤهما صحيحينِ إلى الموت
( ما أحييتنا ) أي مدةَ حياتنا .
• وإنما خصّ السمعَ والبصرَ بالتمتيع من الحواس ،
لأن الدلائل الموصلة
إلى معرفة الله وتوحيده ، إنما تحصل من طريقهما .
ولأن البراهين إنما تكون مأخوذةً
من الآيات وذلك بطريق السمع أو من الآيات المنصوبة
في الآفاق والأنفس
فذلك بطريق البصر ، فسأل التمتيع بهما ،
حذرا من الانخراط في سِلك الذين ختم اللهُ
على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ،
ولما حصلت المعرفةُ
بالأولين يترتب عليها العبادة ،
فسأل القوة ليتمكنَ بها من عبادة ربه قاله الطيبي .
والمراد بالقوة قوة سائر الأعضاء والحواس أو جميعها فيكون تعميما بعد تخصيص".
• فلنقدرْ جميعنا فضلَ هاتين النعمتين،
وما وضعه الله فيهما من قوة وقدرة
على التفاعل الكوني واستعلام ما يجري حولنا،
وفاقدهما يستشعر ذلك، ويفوته
خير كثير، واستعداداته تكون متأخرة ..!
• ومن المؤسفِ استعمالُها في معاصي الله،
فتسرحُ الأبصار في المناكر
الحسان، وتُفتح الآذان للأنغام والأسماع المحرمة .
• ومتعةٌ ثالثة في ( القوة ) الممنوحة لك جسدًا وتحركا وتفاعلًا ، وهي تشمل
كل الجسد بما فيه الحواس ، فتندمج مع الحياة عملا وبذلًا،
وسيرا ورزقا ودفاعًا وسفرًا .
فلا يوقفك هزال، ولا يصدُّك مرض، أو تعيقك شقاوة .
• ومثلُ هذه القوة الجسمية تحقق لك الانطلاق في الحياة،
ومكابدة أرزائها
وممارسة الشعائر في أحسن صورة ،
وليتَ شعري كيف حالنا حينما نشاهدُ العجزةَ
والمرضى عبّاداً ومعتكفين..!
وودَّ بعضُهم لو عادت به الظروف، واستطعم
الملاذَ السابقة ، وفِي ذلك درسٌ وعبرة .
• وقارنْ بين صحيحين مكتملي الحواس والقوى،
أحدهما تزود بها علما ودينا
والثاني عاش بها عبثًا وهملا..!
كم بينهما من النورِ والسعادة..؟! وأشنعُ منه
من ادخرها للحرام ، وخاض في الأوهام ،
وظن أنه على شيء...
وهو بلا شيء، والله المستعان...!
• استحضرْ هذا الدعاء كثيرًا ،
لا سيما عند ختمِ المجالس،
ومشاهدة الفقر والبؤس
أو التورطِ في ظروف ومشاق..
فقد كان صلى اللهُ عليه وسلم يختم به مجلسه، ليعلِّمَ
صحابتَه قدرَ هذه النعم الخفية ،
وأن لدينا نعماً وأفضالاً، قد ننساها ولا نتفكر
في غيابها أو نقصانها
( وإن تَعُدوا نعمةَ الله لا تحصوها )
سورة إبراهيم والنحل .
فاللهم متّعنا بها ، ووفقنا لشكرها ، والله الموفق ..
د.حمزة بن فايع الفتحي
لكم خالص تحياتى وتقديرى
الدكتــور علـى