المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : انتحار مكتئب


انسان بسيط
10-23-2020, 08:17 PM
ابراهيم شاب في الثلاثين من العمــر يعاني من حالة مــلل وكآبة واكتئاب شديدة منذ الصغر ، يرى الحياة سوداوية قاتمة ..يراها ضيقة خانقة ..يراها لا تُطاق ولا تحتمل ..ذهب للعلاج عند اكثر الأطباء النفسيين براعة بلا فائدة حتى الدواء الذي يتناوله يتفتت أمام حالته وكآبته ولا يؤثر به، كان جسداً بلا روح ..لا يضحك ..لا يبتسم ..لا يتكلم ..لا يغضب ..لا يشعر بأي شيء..فقط مــلل وملل قاتل اجبره ان يحس بإن الحياة سجن ..بل قبر ضيق يخنقه يجعله يريد الخروج منه،

كانت فكرة الهروب من هذا العالم الضيق تراوده طوال الوقت فمكوثه أكثر سيخنقه حتى المــوت ..ليال وليـــال تمر عليه وتلك الفكرة لم تبتعد عن مخيلته ..فكرة الرحيل ..فكرة الأنتحار ..فكرة قتل نفسه ..فكرة الخروج من قبر الحيــاة ، وبعدما وصل إلى حداً لا يطاق من الملل والضيقة ..وبعدما اغلقت كل الأبواب أمامه ..وبعدما اصبح الدواء مثل الماء لا يفيد ..وبعدما مل ومـــل ومل قرر الأنتحار أخـــيراً،

جلس على الطاولة يكتب ورقة انتحاره وخلاصه وملله وسئمه ..ورقة النهاية ..ورقة ختام الحياة ..ورقة الخلاص من الضيق ..ورقة لعنة الأكتئاب :
لقد سئمت ..لا استطيع الهرب أكثر ..اريد التوقف ..كل شيئاً لا يحتمل ..هكذا قررت أن انهي حياتي بعدما تغلب علي الأكتئاب والملل ..نعم..لقد استسلمت وقررت الرحيل فلم اعد استطيع التحمل أكــثر لذا اردت الخروج من هذا العالم الضيق .. لا شيء ..الحياة بالنسبة لي لا شيء ..لست موجوداً فيها ..لا أرى أحد ولا أحدٌ يراني ..لا شيء ينتظرني ..لا شيء يسعدني ..لا شيء يجعلني اشعر ..لن تشعرون ما بي ..ولن تعرفون مما أعاني ..ولن تفهمون وحشتي والظلمة التي تلاحقني منذ طفولتي ولا اتمنى احداً أن يحدث له مثلما حدث معي ، كآبة ..اكتئاب ..هلع ..قلق ..فزع ..خوف ..سواد ..مجهول ..لا حاضر ..لا مستقبل ..هذه كانت حياتي التعيسة الكئيبة فالأفضل ان اوقفها بنفسي، فلا تحزنوا على رحيلي ولا تبكوا ..لقد عشت الحياة البائسة بما فيه الكفاية لذا اودعكــم واتمنى لكم حياة مديدة سعيدة ...المكتئب ابراهيــم.!

ترك الورقة بعدها وفوقها القلم ..ورقة بؤسهِ وموتــه ..ورقة رحيله ..ورقة الوداع ..تــــرك وصيته التي يعرف الجميع أهله وبقية رفاقه كل ما كتب فيها ..يعرفون اكتئابه وكآبته ..وهلعه وفزعــه ..وظلمته ووحشته ، أخذ كمية كبيرة من الحبوب ..حبوب من ذاك الدواء وذاك ..حبوب الأكتئاب والصداع والزكام ..حبوب كثيرة لكي يضمن موته ورحيله ..ثم ابتلعها دون تردد واستلقى على سريـــره في انتظار ان يفارق العالم البائس ..وكلها لحظــات قليلة حتى اغلقت عيناها كما يريد وأراد وتمنى،

بعد مرور يومين من ذلك حدث ما لكم يكن في حسبانه ..ما لم يتوقعه ..اسوء كوابيسه ، إذ ان إبراهيم استفاق من نومــه فرغم كل انواع الحبوب الذي تناوله وكثرته واشدهم مفعولاً والاقوى تركيــزاً الا انه لم يرحــل كما اراد بل اخذته حالة غيبوبة واغماء خفيفة عاد بعدها لحياته الكئيبة مما زاده حسرة وضيقة فوق ما يشعر به ، نهض مختنقاً وكأن هناك حبل مشنقة حول رقبته ..فنزل إلى الدور السفلي قاصداً الشارع حتى خرج وتوقف عند الباب ،

راح ينظر يمينــاً وشمالاً ..يتلافت في كل الإتجاهات ..شيءٌ آخر لفت نظره اكثر من كآبته ومحاولته الفاشلة للإنتحـار ..شيءٌ لم يتخيله ..ينظر هنا وهناك ولا يرى أحد من حوله ..الشارع هادئاً يخلو من المارة ..يخلو من الدبيب ..يخلو من الهمــس ..ينظر إلى السماء ولا يرى طيوراً تحلق .. وكأن الناس اختفوا فجأة ..لا بشر ..لا حيوانات ..لا صوت ..فقط صمتٌ متقع.. شيءٌ غريب حدث في غيبوبة انتحاره ..شيئاً لم يتوقعه مطلقاً ، حتى الهواتف والتلفزيون والكهرباء معطليـــن ..شيءٌ لم يشاهده الا في الافلام الخيالية ..دخل بيته ليتأكد من عائلته ..يبحث في غرفهم وينادي عليهم ..ولكن لا شيء.. حتى صوت الهواء يكاد لا يسمع ،

خرج إلى الشارع مرة أخرى يصرخ ..ينادي ..يهرول ..يتوقف ..يصيح ..لكن لا شيء عدى الصمت المخيف ، يصفع يديه باليمنةِ واليسرى ..يريد ان يستوعب ماذا حدث في حالة اغماءه ..في حالة الــهروب من اكتئابه التي نــام فيها واستيقظ والعالم كله مختلف ليس كما تركه ..ذلك العالم نفسه الذي اراد الرحيل منه ..العالم الذي كرهه وضاق صبراً منه ..العالم الذي لا يرى فيه الناس ولا يحس بمشاعرهم ..العالم الذي رجع إليه واصبح صدفةً كما يريده ..عالمً لوحده ..عالــمً واسع ..عالمً يخلو من كل الكائنات،

يفكر ..يوسوس..يحك رأسه ..يتساءل بكثير من الأسئلة:
- معقــول..!
- اين اختفى الناس..!
- ما الذي جرى في العالم؟
- قبل ان احاول الانتحــار لم يكن هناك ما يثير الريبة،
- شيء غــريب..
- هل قامت القيامة؟
- هل نادى المنادي في السماء؟
- هل ذهبوا إلى مكــانً مـــا،
- لكن ..لا يصادف هذا اليوم أي حفل أو تجمع وطني،
- وحتى لو ذهبوا إلى مكــان محدد مستحيل أن يذهبوا جميعــاً أو أن تتوقف الحيــاة هكذا،
- تبــاً،
- لا يوجد شيء مطلقــاً..
- ولا حتى طيور ولا قطط ولا نمــــل..!
- لا أثــر للحياة ..ولا لكــائــن حي،
- اللعنة ، فليخبرني أحدٌ ما خطب هذا العالــم،

ظل يهوم ويحــوم بالشوارع لوحده ..بلا أنيس ..بلا بشر ..بلا كائــن ..هذه الحياة التي أرادها وحيداً دون آدميــاً دون جان ..في حيرته يفكــر وفي حيرته ضائعاً وفي حيرته خائفــاً ..يذهب هنا وهنــاك ولا شيءً تغــير عدى الملل الذي بدأ يجتاحه ثانية بشكل أشد مما كان سابقاً ..تجتاحه نوبات هلع.. نوبات فزع ..قلــق واكتئــاب مضاعف وضيق أشد من قبر الحياة الذي كان يعيشه قبل رسالة انتحــاره ، ما هرب منه عاد إليه بشكل أسوء مما يظـــن، يجلس على احد الأرصفة ثم ينهض ويسير ..ويجلس ..ويسير ..حائــراً في ممله ماذا يصنع ..تائهــاً في اكتئابه وكأن الدنيــا بعد خلوها اصبحت اكثر ضيقة مما يتصور ،

ينظر يميناً شمـــالاً ..يلتفت هنا وهنــاك ..يطالع في الأعلى والأسفــل والملل واليأس والأكتئــاب والحيرة والأسئلة وكل ذلك الغمــوض جعله يعيش في دوامة من الجحيم ..لحظات ثم صرخ في وسط الشوارع بصرخة تدوي إلى اللامكان ..صرخة على اللأحد:
- اللعنة ..
- الا يوجد بشرٌ هنــا؟
- أريد حياة ..أريد بشر..
- أريد ضجيج ..أريد زحمة..
- هذا ملل لا يطــاق،
- لقد كنت مخطئاً ،
- رغم كئابتي واكتئابي ولكن الناس حولي كان يشعرني بالأمان..
- كان يشعرني انني انسان..
- لكن هذا الصمت ..هذا الصمت مختلف..مدمــر ..موت ..ضيقة ..ضيقة بحق،
- أريد ان يعود الناس ..اريد ان تعود الحياة كما كانت،

بعد صراخ الندم والقهر رجع عائداً إلى منزله لكي يمــزق ورقة الأنتحــار ..وحينما اقترب من المنزل بدأ يسمع صوت ..يقترب ويزداد الصوت ..كلما اقترب كلما زاد الصوت مما جعله سعيداً حيث شعر وكأن هناك أحداً معه وفي بيته ومن عائلته ، وكلما اقترب اكثر يسمع ..ولكن ما لفت نظرهِ أن هذا الصوت وكأنه صياح ونيـــاح ..لذا راح يسرع بخطواته ..يقترب ويقتــرب إلى ان دخل البيت فوجده ممتلئ بالحضور ..ولكن الصدمة التي جعلته ينسى كل صدماته السابقة بإن الحضور يبكون ويلطمون ..اقترب من الأول وتلصص على الثاني واستمع إلى الثالث ، يخاطب نفسه مفزوعــاً:
- يا إلهي..
- انهم معزيــن،
- هذا مجلس ..مجلس ...عزائي..

سكت قليـــــلاً ليستوعب ما قاله لنفسه ..ليستوعب الرعب الذي فهمه للتو ..ليستوعب كل الخيوط ..ليفكك اللغــز منذ لحظة كتابته ورقة انتحاره:
- يا إلــهي ..
- أنني ميت،
- طوال الوقت كــنت ميت..!

لم يصدق ابراهيم بل لم يكن يريد التصديق ..راح يشير على الحضور بيديه ..يقف قبالتهم ..يكلمهم ..ينادي أمه وأبيه ..ينادي اشقاهء واقرباءه ..ينادي الجميع ..جميع من كانوا يبكون عليه ، يقول لهم باكيــاً:
- أنا لست ميت ..
- أنني أراكم ..أنظروا إلي أقف معكم وأمامكم ..
- أنني موجود ..لا تبكون ..انا حــي ..الا تروني ..
- لاتبكي يا أمي ..لا تحزن يا ابي ..
- حتى انت يا اخي صدقت موتــــي وبكيت علي..!

انهار باكيــاً يناديهم ..انهار باكيــاً في موته ..انهار في اكتئابه ..وضيقته ..انهـــار لا يراه أحد ..انهـــار بعدما قرر الرحيل بنفسه وبيده ..صـــاح نادماً يعض يديه على كل ما فعل..نادمــاً على حياة الأكتئاب الذي اكتشف انها افضل مما ذهب إليه ..صاح وصــاح ...وصــــــاح نادمــاً بصوتً عال بعدما رفع رأسه للسماء: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)!


(انسان بسيط..)

ملاحظة : كتبت القصة واعتمدتها بدون مراجعة بسبب الملل > (مالي نفس..بالعامية)، لذا اعتذر لو كان بها اي خطأ .

عبث
10-23-2020, 09:13 PM
إبداع في الطرح والسرد للقصة
من البداية حتى نهايتها
وأنا في شك هل ما حدث مع إبراهيم حقيقة أم خيال
أبدعت جدًا باقتناص الواقع بين سرد الخيال ..
انسان بسيط :

ملاحظة : كتبت القصة واعتمدتها بدون مراجعة بسبب الملل > (مالي نفس..بالعامية)، لذا اعتذر لو كان بها اي خطأ .

شدتني هذه الملاحظة
ما شاء الله رغم انو كتبت ومالك نفس
وسرد طويل
حصلت عندك ثلاث أخطاء ;)
حسيتني معلمة إملاء :cool:

خفوق الروح
10-24-2020, 11:59 PM
‏يعـطيك العــآفية
‏ولآ عـدمنآ تميز انآملك الذهبية
‏دمت ودآم بحـر عطآئك بمآ يطرح متميزآ
‏بإنتظآر القآدم بشووق
‏فلآ تحــرمنآ من جديد تميزك
‏لروحــك بآقآت من الجوري

روح انثى
10-25-2020, 12:02 AM
سلمت يداك على القصة
دمت لنا بهذا العطاء الجميل
نترقب المزيد من جديدك الرائع
لك كل الود والتقدير

https://iraqena.com/ico/image2/f/n/ros143.gif

جاسر
10-26-2020, 01:32 PM
يعطيك العافية على هذا الابداع
سلمت يمناك ولاعدمنا جديدك المميز

أميرة الشموخ
10-30-2020, 02:23 PM
قصــة مؤثــرة
سلمت آناملكـ لسردهــا
دوم التميـــز والإبـــداع
ختـم / 200 م ومثلها ت

أميرة الشموخ
10-30-2020, 02:24 PM
تمت الاضافــة ,,,

انسان بسيط
10-31-2020, 09:46 AM
إبداع في الطرح والسرد للقصة
من البداية حتى نهايتها
وأنا في شك هل ما حدث مع إبراهيم حقيقة أم خيال
أبدعت جدًا باقتناص الواقع بين سرد الخيال ..
انسان بسيط :



شدتني هذه الملاحظة
ما شاء الله رغم انو كتبت ومالك نفس
وسرد طويل
حصلت عندك ثلاث أخطاء ;)
حسيتني معلمة إملاء :cool:

اشكرك على مرورك وتعليقك

بالنسبة للاخطاء ههه
بالفعل التدقيق يحتاج تركيز ودقة
المهم الا تكون الاخطاء اثرت على فهم القصة


تحياتي

انسان بسيط
10-31-2020, 09:47 AM
قصــة مؤثــرة
سلمت آناملكـ لسردهــا
دوم التميـــز والإبـــداع
ختـم / 200 م ومثلها ت


اشكركِ شموخ
على مرورك وتقييمكِ وختمكِ

مودتي

القبطان
11-06-2020, 10:03 AM
قصة قيمة حقا
لك التحايا معطرة بخالص المودة
تبتسم الحروف لروعة حروفك
سطرت فأجدت وأبدعت وأمتعت
تحاياي وباقة ورد.. اهديها لك

AL-PRINCE
03-10-2021, 07:11 PM
مُزْنٌ يَهْطُل وشَلآلٌ يَتَدَفَقْ
بَطِرُوحَآتِكْ الْرَآئِعَةْ الْجَمِيلَةَ
بِإخْتِيَآرْ يَفُوقْ الْوَصْفْ والْتَعْبِيِرْ
فَإلَى الأَمَآمْ بِإنْتِظآرِ جَدِيِدِكْ بِشَوقْ
وفَقِكْ الْلَه تَعَآلَى
http://katka5212.bloglap.hu/kepek/201204/_1.png

ميديا
04-11-2021, 12:57 AM
شكراً لك على الموضوع
يعطيك العافيه

عواد الهران
04-25-2021, 03:27 PM
بارك الله فيك .

والله يعطيك العافيه...

ماعرض يستحق المتابعه.

ولك الشكر والامتنان...

يحيى الشاعر
10-24-2022, 10:09 PM
http://img-fotki.yandex.ru/get/6418/39663434.227/0_7c77b_3db9d72_M.jpg




..



قصة اكثر من رائعة
شكرا على روعة الطرح وحسن الاختيار
وتميزك دوماً في طرح كل ماهوراقي ومميز
فلك مني شكري وعظيم امتناني
دمت بكل خير

http://www.nalwrd.com/vb/upload/4183nalwrd.gif



























http://img-fotki.yandex.ru/get/6418/39663434.227/0_7c77b_3db9d72_M.jpg








]

أمير المحبه
11-09-2022, 10:05 PM
طرح قمه الروعه في والجمال
سلمت اناملك ويعطيك العافيه علي مجهودك
في أنتظار المزيد
من عطائك والمزيد ومواضيعك الرائعة والجميله
ودائما في إبداع مستمر